جارى تحميل الموقع
4 الجمعة , أكتوبر, 2024
البوابة الالكترونية محافظة القاهرة
Tanta
للاستماع إلى الموضوع
 
 
 
   القاهرة عاصمة أرض الكنانة


 

القاهرة... تلك المدينة التي حمل اسمها 18 مدينة أخرى حول العالم، هي (قاهرة المعز-المدينة المحروسة-حاضرة الدنيا-تاج البرية-مدينة المدن-مدينة الألف مئذنة)، تلك الصفات والاسماء التي أطلقها المؤرخون على هذه المدينة العريقة والتي يعود مكانها وموقعها إلى فجر الحضارة البشرية منذ أن بدأت كعاصمة لمصر تحت اسم "أون" رمزاً لوحدة الشمال والجنوب المصري في عهد الفراعنة، واليوم نستعرض تاريخ تلك المدينة الساحرة..

 

القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية وهى من أكثر المدن تنوعًا ثقافيًا وحضاريًا، كما أنها تعد كواحدة من أهم مراكز الحياة الدينية والثقافية والسياسية للعالم، وواحدة من أكبر المدن الافريقية. فهي ذات موقع استراتيجي حيث تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل ويحدها من الشمال محافظة القليوبية ومن الشرق والجنوب الظهير الصحراوي ومن الغرب نهر النيل ومحافظة الجيزة. كما تضم مقرات الحكومة الرئيسية كالقصر الرئاسي ورئاسة الوزراء والوزارات الأخرى ومجلس النواب والبنك المركزي وغيرها من مقرات السلطة إلى ان يتم نقلها إلى العاصمة الإدارية الجديدة تباعا، وهي محافظة مدينة أي أنها محافظة تشغل كامل مساحتها مدينة واحدة، وفي نفس الوقت مدينة كبيرة تشكل محافظة بذاتها. وبالرغم من كونها أكبر المدن المصرية إلا أنها تعد من أصغر محافظات مصر كمحافظة، وتحتوي على عدد من المعالم القديمة والحديثة التي ترجع لحقب تاريخية مختلفة على مر العصور، وآثار فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية فنحن لا نجد في أي مكان آخر هذا الكم من الآثار الدينية والمدنية والحربية ، ولا غرو فإن القاهرة كما وصفها المؤرخ الفيلسوف ابن خلدون: "إنها أوسع من كل ما يُتخيَّل فيها".

القاهرة 

القاهرة الكبرى:

اتسعت القاهرة في العصر الحديث وكونت ما يسمى بالقاهرة الكبرى فى كيان إداري شبه رسمي مع محافظة الجيزة وبعضًا من ضواحيها وشبرا الخيمة من محافظة القليوبية.

 

 القاهرة

احياء محافظة القاهرة

العيد القومي لمحافظة القاهرة:

تحتفل القاهرة بعيدها القومي في السادس من يوليو وهو اليوم الذي يوافق وضع القائد جوهر الصقلي حجر الأساس لمدينة القاهرة عام 969م، وشعارها الجامع الأزهر الشريف منارة الإسلام ومنبره في العالم أجمع.

 القاهرة

                                                            جوهر الصقلي                                                                                                    شعار محافظة القاهرة

 

ديوان عام محافظة القاهرة:

يعتبر مقر الديوان العام لمحافظة القاهرة جزء من قصر عابدين والذي يعد من أشهر القصور الرئاسية التي شيدت خلال حكم أسرة محمد على، وكان "الخديوي إسماعيل" قد أمر ببناء قصر عابدين فور توليه حكم مصر في عام 1863م وأراد ببناء القصر نقل مقر الوالي من القلعة التي ظلت مقراً للحكم في مصر منذ شيدها "صلاح الدين الأيوبي" في عام 1171م إلى وسط مدينة حكمه، وقد استغرق بناء القصر عشر سنوات، وقد عرف القصر باسم "قصر عابدين"، حيث جاء بناءه ضمن خطة الخديوي إسماعيل لبناء قاهرة حديثة على غرار المدن الأوروبية، ويرجع اسم القصر إلى (عابدين بك) أحد القادة العسكريين في عهد محمد علي ‏الذي كان يمتلك قصراً صغيراً في مكان القصر الحالي فاشتراه إسماعيل من أرملته ‏وهدمه وضم اليه أراضي واسعة لتصبح إجمالي مساحة القصر 24 فداناً، وليتوج كل هذا ببناء قصر عابدين الحالي ليكون آية في الجمال والفن المعماري.

 

قصر عابدين حالياً                                                                                          ديوان عام محافظة القاهرة

 

قام بإنشاء هذا القصر المهندس "دى كوريل ديل روسو" وعدد من العمال والفنيين المصريين والإيطاليين والفرنسيين والأتراك. وقد استغرق البناء حوالي 10 سنوات، وقدرت تكلفته ما يقرب من 100 ألف جنيه ذهبية، أما الأثاث فتكلف حوالي 2 مليون جنيه، وقد ظل قصر عابدين مقراً للحكم ورمزاً للسلطة من عام 1873م حتى 1952م. وشهد أهم الأحداث المؤثرة في تاريخ مصر الحديث، نذكر منها ثورة عرابي وتجمع الجيش المصري بميدان عابدين أمام القصر في عام 1881م، وفوق بركة "الفراعين" الراكدة أمام موقع القصر انشئ ميدان عابدين الحالي الذي تبلغ مساحته ما يقرب من 9 أفدنة، وبجواره قشلاقات الحرس (محافظة القاهرة حالياً).

 

نشأة القاهرة:

تُعد القاهرة منذ إنشائها قبل أكثر من ألف عام المركز الرئيسي للحضارة العربية الإسلامية؛ فهي مدينة متفردة في العالم الإسلامي بتنوع ووفرة آثارها وقيمتها التاريخية، والقاهرة بوضعها الحالي ضمت أغلبية عواصم مصر عبر العصور، حيث كانت كل واحدة منها عاصمة لحقبة من الزمان منها مدينة أون "هليوبوليس" منطقة المطرية وعين شمس حاليًا، وعواصم مصر منذ الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص سنة 21هـ 641م هي "مدينة الفسطاط، القطائع، العسكر، القاهرة الفاطمية، والقاهرة الخديوية".

                                         خريطة عواصم القاهرة قديماً                                                                                                 القاهرة قديماً

 

الفسطاط: انشأها عمرو بن العاص سنة 21هـ 641م وبنى بها أول مسجد جامع في مصر وفي أفريقيا " جامع عمرو بن العاص" متبعا في ذلك التقليد الإسلامي المعروف في إنشاء العواصم الإسلامية واتخاذه في كل مدينة مسجدًا جامعًا. وكلمة فسطاط تعني "خيمة" وهي مشتقه من كلمة "فوساتون" fossaton اليونانية والتي تعني خندق، وربما كانت تطلق على مكان موجود من قبل العرب، ومع ذلك كانوا منذ البداية يستخدمون اسم "مصر" الذي فرض نفسه بعد ذلك وأصبح اسم العاصمة فسطاط – مصر.  وظلت الفسطاط مركز للحركة والعمران أيام الخلفاء الراشدين والدولة الأموية.

                                      خريطة الفسطاط قديماً                                                                                                جامع عمرو بن العاص

 

وقد وصف الكاتب ميخائيل السوري في القرن الثاني عشر الميلادي فتح العرب لمصر قائلاً "إن إله العقاب وحدة العلي القدير، الذي يغير مملكة البشر كما يشاء، ويعطيها لمن يشاء، ويرفع من شأن المتضعين، وحين رأى شرور اليونانيين الذين نهبوا كنائسنا وأديرتنا في كل مكان تسيدوا عليه، وحين قضوا علينا بلا شفقه، أحضر إلينا أبناء إسماعيل من منطقة الجنوب لكي يحررونا من أيدي اليونانيين، ولم تكن منفعة قليلة لنا ان يتم تحريرنا من قسوة الروم، ومن عنفهم وشرورهم، ومن اندفاعهم الغاشم ضدنا، وأن نجد أنفسنا في طمأنينة"، وكان ميخائيل كاتبًا مسيحيًا، فكتب هذا التعليق العنيف (ضد البيزنطيين) بعد مرور خمسة قرون على الحكم الإسلامي الذي تمخض عنه تعريب السكان المصريين وتحول غالبيتهم إلى الإسلام، وهو تعليق يكشف عن ظروف الفتح الإسلامي والحالة النفسية لسكان البلاد المسيحيين في زمن الفتح العربي الإسلامي.

 

العسكر: أسسها القائد صالح بن علي بن عبد الله بن العباس سنة 133هـ - 750م، وكان اسمها في الأصل المعسكر فكانت امتداد طبيعي لمدينة الفسطاط في منطقة تمتد أسفل جبل يشكر(الذى بنى فوقه مسجد بن طولون)، وإن كانت خالية تماما من المنشآت، وبمرور الوقت اتصلت العسكر بالفسطاط وأصبحت مدينة كبيرة.

 

    اطلال مدينة العسكر بريشة المستشرقين

 

القطائع: تلك المدينة التي أسسها أحمد بن طولون، على أرضٍ مرتفعة تقع بين «جبل يشكر»  (قلعة الكبش الآن)  و«جبل المقطم» شمال شرق مدينة العسكر، وأفرد لكل طائفة من عساكره قطيعة سُميَّت كل واحدة منها باسم الأمير الذي نزل فيها أو باسم الطائفة التي سكنتها، وكانت كل قطيعة من هذه القطائع بمنزلة الحارات، ومن هنا جاء اسم القطائع، وتُعد مدينة القطائع أول عاصمة يُراعى في تخطيطها اتَّباع القواعد الفنية في انشاء المدن، مثل التي اتُّبعت عند تأسيس مدينة سامراء في العراق، فجاءت مدينة القطائع كبيرة الشبه بها، وكذلك جامع أحمد بن طولون ومأذنته الملوية، وقد جعلها أحمد خاصة به وبجنده وأتباعه وخدمه ومختلف المجموعات العرقية: سودانيين ونوبيين وروم ويونانيين. وكلتا المدينتين (العسكر- القطائع) كانتا في العصر العباسي.

جامع احمد ابن طولون ومأذنته الملوية

القاهرة الفاطمية:

بتأسيس قاهرة المعز افتتح فصلاً جديدًا في تاريخ عواصم مصر، فصلا لم ولن يتوقف تطوره، وقد ذكر المؤرخ المقريزي: "إنه لم يطأ الأرض بعد جيش الاسكندر أكثر عددا من جيوش المعز، ولم يكن دخول الفاطميين مصر مجرد إحلال دولة بدولة أخرى بل كان نقلة كاملة من الناحية الدينية والثقافية والاجتماعية".  فقد كان مصير القاهرة مختلفًا تمامًا عن باقي العواصم السابقة، بدأ القائد جوهر الصقلي ببناء المدينة الجديدة للدولة الفاطمية سنة 969م بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، لتكون عاصمة سياسية ومقرًا للنخبة وأطلق عليها "القاهرة".  وأحاطها بسور به ثمانية أبواب لم يتبق منهم الا ثلاثة فقط وهم (باب النصر باب الفتوح باب زويلة).

 

   خريطة سور وابواب القاهرة في العصر الفاطمي
 

 باب النصر                                                                باب زويلة                                                                        باب الفتوح

 

وحول تسمية القاهرة بهذا الاسم فهناك روايات عديدة منها: ان جوهر الصقلي قام بتعليم مسار سور المدينة عن طريق وضع قوائم خشبية يمتد فيما بينها حبل علقت فيه أجراس: وتم الاتفاق على أنه يتم وضع الاساسات الأولى للسور حين يحدد المنجمون اللحظة المناسبة ويختارون "طالعًا سعيدًا" للبدء في العمل. وتذكر الرواية أن غرابًا حط على الحبل فأهتز، فدقت الأجراس وبدء العمال في وضع الاساسات. واكتشف المنجمون أن كوكب المريخ " القاهر" كان في الطالع ومن هنا جاء اسم "القاهرة".

والرواية الثانية: تذكر أن الخليفة المعز أمر جوهر بتشييد "مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا". والرواية الأخيرة: تذكر أن جوهر أطلق على المدينة الجديدة التي شيدها اسم " المنصورية" تيمنًا باسم مدينة المنصورية التي أنشأها المنصور بالله والد المعز لدين الله خارج القيروان، أو تيمنًا باسم المنصور نفسه إحياءً لذكراه. ولكن الخليفة المعز قام بتغير هذا الاسم إلى " القاهرة" حين وصل إلى مصر بعد مضي أربع سنوات على الفتح الفاطمي لمصر، كما أطلق على القاهرة العديد من الأسماء على مر العصور منها: مدينة الألف مئذنة، ومصر المحروسة، وقاهرة المعز، جوهرة الشرق، كما أسس الفاطميون جامع الأزهر الشريف لنشر المذهب الشيعي، وجامع الحاكم والأقمر، والعديد من العمائر التي ما زالت باقية إلى يومنا هذا.

                                   جامع الازهر                                                               جامع الحاكم                                                                جامع الاقمر

 

العصر الأيوبي:

مع وصول الأيوبيين للسلطة في مصر وخروج مركز الحكم من القاهرة إلى قلعة الجبل (قلعة صلاح الدين) كانت حماية القاهرة والفسطاط والمنطقة الواسعة التي تفصلهما إضافة إلى القلعة أهم المشروعات الدفاعية لصلاح الدين. ورأى أن يدير حولهم جميعا سورًا واحدًا، على أن تكون قلعة الجبل راس المثلث الذي ترتكز قاعدته عند المقس على شاطئ النيل شمالا (ميدان رمسيس الآن) وباب القنطرة على شاطئ النيل جنوبا (جنوب مصر القديمة الآن). وعهد بهذه المهمة إلى بهاء الدين قراقوش فشرع في بناء قلعة الجبل وعمل السور وحفر الخندق حوله، كما بدء في ترميم سور القاهرة الفاطمي، وكان صلاح الدين يرمي إلى غرضين؛ الغرض الأول: هو تحصين العاصمة تحصينا محكما ضد احتمال هجوم الصليبيين. والثاني حماية السلطان. ولم يقدر لهذا المشروع أن يتم على تلك الصورة التي أرادها صلاح الدين فقد وافته المنية قبل إتمام هذا العمل.  وكان الملك الكامل أول من انتقل من القاهرة إلى القلعة وسكنها سنة 604هـ /1207م.

 القلعة قديماً                                                                                                              القلعة حديثاً

 

وبعد انتقال مقر الحكم إلى القلعة فتحت القاهرة أبوابها لعناصر لم يكن يسمح لها بالدخول والإقامة فيها طوال العصر الفاطمي، وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها وتنتشر في موضع القصور الفاطمية حول الشارع الأعظم "قصبة القاهرة" (شارع المعز)، وأدت تلك التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها القاهرة إلى إعادة تشكيل النسيج العمراني للمدينة، وظهور أنماط جديدة من الأبنية حل أغلبها محل القصور الفاطمية في منطقة بين القصرين مثل: قبة الصالح نجم الدين أيوب ، وتميز العصر الأيوبي بالاهتمام بالعمارة الحربية والمتمثلة في القلاع والحصون والأسوار "قلعة الجبل" لدرء هجوم الصليبيين، فضلا عن العمارة الدينية حيث أدخل الايوبيين نوعا أخر من المؤسسات التعليمية هي “المدارس": لتعليم المذهب السني ومحُاربة مذاهب الشيعة. مثل "دار الحديث أو الكاملية" التي انشأها السلطان الملك الكامل محمد في القاهرة سنة 622هـ /1225م." والتي اختصت فقط بتدريس علوم الحديث.

 

                                                        قبة الصالح نجم الدين                                                                                                    مدرسة الكاملية

 

العصر المملوكي:

 تولى المماليك حكم مصر سنة 648هـ/ 1250م، وظلت قلعة الجبل مقرا للحكم كمدينة حقيقية محصنه داخل أسوارها وأبراجها ،وكانت أهم ميراث ورثوه عن الأيوبيين، وبلغ امتداد القاهرة وتوسعها في هذا العصر ما لم يحدث في عصر سابق في تاريخ القاهرة الإسلامية، ويرجع هذا التوسع إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون أثناء سلطنته الثالثة (709- 741هـ/ 1309- 1341م) التي تعد نقطة تحول في تاريخ المدينة، وأصبح اسم القاهرة يطلق على ما يحيط به بقايا السور الفاطمي وحارة الحسينية خارج باب الفتوح وماراً وراءها إلى الريدانية " العباسية حاليا"،  وحي الدرب الأحمر، وقناطر السباع " السيدة زينب الآن"، إضافة إلى الأحياء الناشئة في البر الغربي للخليج وامتدادها شمالا إلى منية السيرج "شبرا حاليا" وأراضي اللوق " باب اللوق حاليا" ، ومن أشهر اعمال المنصور قلاوون  استكمال بناء سور مجرى العيون وإنشاء السواقي التي ترفع المياه إلى السور حتى تصل إلى القلعة ومجموعته الموجودة بشارع المعز .

 سور مجرى العيون                                                                                                  مجموعة قلاوون

 

وعَمر المماليك العديد من مناطق القاهرة ببناء عدد من المساجد الجامعة الضخمة، والدور والقصور في تلك المنطقة بناء على رغبة السلطان، مثل" جامع قوصون بشارع القلعة "محمد على سابقًا" ( 730هـ /1330م)  وجامع بشتاك بشارع درب الجماميز (736هـ/1336م) وجامع الطنبغا المارديني بشارع التبانة  ومجموعة السلطان حسن "جامع ومدرسة" التي تعد درة العمارة الإسلامية.

 

                                                           جامع الطنبغا المارديني                                                                                              مجموعة السلطان حسن

 

وبالرغم من الضرر الذي لحق بالقاهرة بسبب المجاعات وتدهور الأحوال الاقتصادية في العصر المملوكي، إلا أن السلطان الأشرف قايتباي والسلطان الأشرف قانصوه الغوري كانوا يعملون على اعادة اعمار القاهرة وتجديد سائر أبنيه القلعة واستكمال قناطر مجرى العيون.

ولم تعد القاهرة في العصر المملوكي مدينة محصنة كما كانت في العصر السابق بل ذابت وسط احياء المماليك حولها، كما لم يعد شارع القصبة "المعز" الشريان التجاري للمدينة فحسب وإنما كان المكان الذي يقام فيه الاحتفالات الموكبية والتي يظهر فيها السلاطين للشعب، والمركز السياسي والروحي للقاهرة فهو أشبه بمدينة جامعية فعلي طول القصبة "المعز" توجد سلسلة من المدارس: منها المدرسة الصالحية ومدرسة الظاهر بيبرس"المدرسة الظاهرية"ومجموعة الغوري وغيرها من المنشآت.

           

توسعت القاهرة في العصر المملوكي وحدث بها طفرة معمارية وحضارية لم تتكرر في تاريخ المحروسة إلا في عصر الخديوي إسماعيل، وقد وصفها المقريزي قائلًا: "فكأنما نودى في الناس ألا يبقى أحد حتى يُعمر وذلك أن الناس على دين ملكهم". كما وصف ابن خلدون القاهرة عندما زارها في عصر المماليك البحرية وتحديدا في عصر السلطان الظاهر برقوق قائلاً "فرأيت حضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم ومدرج الذر من البشر وإيوان الإسلام وكرسي الملك تلوح القصور والأواوين في جوه وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقه ..... ومررت في سكك المدينة تغض بزحام المارة وأسواقها تزخر بالنعم".......وختم حديثة مستشهدا بقول أبي عبد الله المقري، قاضي الجماعة بفاس: "من لم يرها لم يعرف عز الإسلام".

 

                                                                شارع المعز                                                                                                         وكالة الغوري

 

القاهرة في العصر العثماني:

غداة سقوط دولة المماليك في مصر والشام سنة 923هـ -1517م، واستيلاء العثمانيين على العالم الإسلامي، فقدت القاهرة مكانتها كعاصمة لدولة المماليك ولكنها احتفظت بمكانة خاصة في الدولة العثمانية حيث كانت تُعد المدينة الثانية بعد إسطنبول، وظلت محتفظة بمكانتها التي اكتسبتها منذ العصر الفاطمي كنقطة عبور رئيسية للتجارة الشرقية، كما كان ينطلق منها «المحمل» الذي يحمل كسوة «الكعبة» وقافلة «الحج المصري» المشهودة التي تضم حجيج مصر وشمال أفريقيا. الأمر الذي ساعد على تنامي المراكز التجارية الرئيسية المنتشرة حول القصبة في قلب القاهرة الفاطمية. واستمرت القاهرة مركزًا للحياة الدينية والثقافية بفضل الجامع الأزهر الذي بزغ دوره كجامعة إسلامية كبرى امتد إشعاعها إلى أماكن كثيرة في العصر العثماني.

المحمل الشريف                                                                                                            كسوة الكعبة

 

واتسعت القاهرة وامتد العمران فيها وتميزت بالتنظيم وسكنت الطبقة الارستقراطية من باشوات وبكوات وأمراء القاهرة والبرجوازية القاهرية "طبقة المشايخ والعلماء وكبار التجار" مناطق العتبة الزرقاء وبركة الأزبكية وباب اللوق والخليج، ولم تخلو من المنشآت العثمانية التي تنوعت بين التكايا والأسبلة والقصور والجوامع والمدارس والحمامات والعمائر الفخمة والحدائق والبرك، وقد تحدث الرحالة العثماني الشهير «أوليا چلبي» في رحلته المعروفة بعنوان «الرحلة إلى مصر والسودان وبلاد الحبش»، عن القاهرة في تلك الفترة واصفا الحياة الاجتماعية والاقتصادية وعمران القاهرة بشكل موسع، فيأتي ذكره على الأزهر الشريف وعظمته والمشفى القلاووني الضخم الذي لا نظير له في بلاد الإسلام، والذي يحتوي بداخله على قسم لإنتاج الدواء يُرسل منه إلى أوروبا وإسطنبول، ونجده في العديد من المواضع يقارن عمائر القاهرة بالعمائر الكبيرة للعاصمة إسطنبول (في المجلد العاشر من رحلته).

 

ومن العمائر التي تعود لتلك الفترة على سبيل المثال وليس الحصر: سبيل خسرو باشا ، وسبيل عبد الرحمن كتخدا في شارع المعز ـ وجامع الملكة صفية" زوجة السلطان مراد الثالث) بالداودية بالدرب الأحمر (1019هــ/ 1601م)، وجامع محمد بك أبو الدهب الموجود في شارع الأزهر (1188هـ/ 1774م)، وبيت السحيمي بحارة الدرب الأصفر.

سبيل خسرو باشا                                                                                            سبيل عبد الرحمن كتخدا

 

                                                         جامع الملكة صفية                                                                                              جامع محمد بك ابو الدهب

القاهرة في عصر محمد علي:

 كان وصول محمد علي باشا إلى الحكم سنة 1805 م نقطة تحول مهمة ليس فقط في تاريخ مصر بل في تاريخ مدينة القاهرة، فأمر بكنس ورش وتنظيف الشوارع وإنارتها، مما عكس ذلك على الصحة العامة حيث ندرت الأوبئة، فضلا عن هدم البيوت القديمة وإعادة بنائها، كما أمر بتعمير أراضي الخرائب مثال منطقة جاردن سيتي الحالية وغرست بأشجار التوت، وجدد أبواب القلعة وأنشأ بداخلها عده منشآت منها قصر الجوهرة و مسجده " جامع محمد علي" الذي شيده على الطراز العثماني وأصبح جزء لا يتجزأ من سمات القاهرة، بل أنه أصبح دليلا على القلعة، كما شهد عصر محمد علي طفرة علمية فقد تم إنشاء المدارس "الكليات" مثل مدرسة الطب، بالقصر العيني وغيرها.....،وفيما يخص القطاع الصناعي والتجاري فقد أصبحت منطقة بولاق مركز صناعي تجاري احتضن طبقة العمال والحرفيين، وصاحب ذلك توسعات وتعديلات وفتح طرق جديدة سواء داخل القاهرة القديمة أو في امتداداتها الجديدة.

 

                                                       جامع محمد علي قديماً                                                                                             جامع محمد علي حالياً 

 

واتسم عصر محمد علي وخلفائه بطفرة في التغيير والامتداد العمراني وإنشاء الابنية على الطراز الحديث، فتوسعت القاهرة وظهرت المناطق الجديدة كالعباسية، والحلمية والمطرية وعين شمس، وبولاق، والزمالك.

 

عصر الخديوي إسماعيل:

شهدت القاهرة خلال هذا العصر تطورًا هامًا ونقلة نوعية لم تعرفها من قبل وتضاعفت مساحتها وضمت أحياء عمرانية ذات مواصفات جديدة. فمنذ اعتلاء الخديوي إسماعيل العرش قرر ان يثبت للعالم أن بلاده ليست في أفريقيا فقط وإنما هي قطعة من أوروبا، فأنشأ حي الاسماعيلية "منطقة عابدين ووسط البلد حاليا"، والفجالة، بطرازهم الأوروبي. وأمر ببناء "قصر عابدين" وأصبح هو المقر الرسمي للحكم في مصر بدلا من القلعة وظل هكذا حتى عام 1952م، وجعل القاهرة على غرار باريس لتكون عاصمة جديدة لمصر، وتطورت القاهرة وأصبحت الميادين والشوارع كبيرة وعريضة مثل شارع الفجالة، ولا شك أن الخديوي إسماعيل قد وضع الأسس الحقيقية التي تقوم عليها الآن القاهرة الحديثة، فقد كان لدية رؤية متكاملة لتطوير القاهرة ونقلها من نهايات العصور الوسطي إلى مصاف العواصم العالمية.

 منطفة قصر عابدين قديماً

القاهرة الحديثة:

كان اختراع وسائل النقل الحديثة وظهور الأوتوموبيل " السيارة بمسميات العصر"، في عام 1903. سببا رئيسيا في الإسراع إلى تغيير شبكة شوارع الأحياء الجديدة وزيادة مساحة الشوارع المكسوة بالحجر الجامد ونمو ضواحي المدينة، كما استمر تحديث القاهرة بإنشاء كباري معدنية جديدة على النيل في العقد الأول من القرن العشرين مثل كوبري بولاق أبو العلا (1908-1912م).

 

                                                                الاوتومبيل                                                                                                     كوبري ابو العلا قديماً

 

كما ظهرت مناطق جديدة مثل جاردن سيتي، فضلا عن ظهور المنشآت العامة مع بداية الحياة النيابية في مصر سنة 1866م ونشأة نظارة الاشغال العمومية سنة 1857م بشارع نجيب الريحاني، ونظارة الأوقاف بباب اللوق سنة 1835م، كما بدء الاهتمام بحماية اثار مصر فأنشأ المتحف المصري سنة 1902م،  ومنطقة مصر الجديدة عام 1905م، ومبني البرلمان سنة 1924م، بعد إقرار أول دستور لمصر.

منطقة مصر الجديدة قديماً                                                                                       مبنى البرلمان قديماً

 

كما امتد العمران في القاهرة واستقرت القنصليات الأجنبية في جاردن سيتي والزمالك، وظهرت العمائر مثل" عمارة الايموبيليا، عمارة بهلر، وأصبحت العمارة الأوروبية هي المرجعية الإجبارية لكل المنشآت التي تمت في تلك الفترة.

عمارة الايموبيليا                                                                                                            عمارة بهلر

 

ثم ظهرت العمارة الفرنسية مثل " عمر أفندي-  محلات سمعان وسليم: صيدناوي – عدس –شملا - وشيكوريل" كما ظهرت البنوك فيها  مثل البنك الأهلي المصري عام 1900م، وبنك مصر عام 1920م،  وظهرت دور العرض السينمائية مثل "سينما ديانا 1932م- سينما مترو 1939م.

 

                                                                   جروبي                                                                                                              عمر افندي

 

القاهرة المعاصرة:

حمل شهر يناير سنة 1952م أحداثا أليمة للقاهرة، فكان حريق القاهرة في 26 يناير الذي استهدف القاهرة الإسماعيلية بمبانيها البديعة وعمارتها الأوروبية ذات الطراز المتميز، وأدى ذلك إلى إلحاق خسائر فادحة بالقاهرة وقد عجل هذا الحادث بقيام ثورة 23 يوليو 1952 م ومع ذلك التاريخ دخلت القاهرة بداية جديدة من التطور والنمو وإنشاء طرق جديدة لتوسعة القاهرة مثل طريق صلاح سالم 1958م، وشيد بمنطقة ماسبيرو على كورنيش النيل "مبني التليفزيون" المصري وانتقلت إليه الإذاعة المصرية، فضلا عن برج القاهرة سنة 1961م، واستاد القاهرة ، كما توسعت القاهرة فظهرت مناطق جديدة مثل مدينة نصر، والف مسكن، كما كانت القاهرة أول مدينة افريقية تُدخل مترو الانفاق سنة 1987م.

 

                                                            برج القاهرة                                                                                                               مبنى ماسبيرو

 

وهكذا نجد أن القاهرة ظلت منذ العهد الفاطمي حتى الوقت الحاضر عاصمة البلاد، وحاضرة المُلك، ومركز السيادة، ولم يقتصر تخطيطها على الحدود التي حددت بها وقت أن أنشأها الفاطميون، بل ظلت تمتد شمالًا وغربًا مسافات طويلة، ولم يقف النيل عقبة في سبيل امتدادها غربًا، بل إنها ازدادت مساحتها عاما بعد عام، وتوالى زحفها باستمرار، حتى تلاقت بحدود محافظتي الجيزة والقليوبية، وذلك بفضل ما أنشئ على النيل من كباري كانت تربط بين شاطئ النيل، وجعلت امتداد القاهرة ناحية الغرب أمرا ميسورًا وضروريًا، ولقد مرت القاهرة في كل عصر من العصور بفترات من الازدهار والتطور سواء تطور عمراني أو اجتماعي أو سياسي، كما تعرضت لفترات من التدهور الاقتصادي والسياسي الذي أثر بطبيعة الحال على الوضع الاجتماعي والثقافي والعمراني للقاهرة، إلا أنها بعد كل مرحلة من التدهور تعود مرة أخرى للازدهار والتقدم لتثبت للعالم أجمع أنها أعرق المدن.

 

وشهدت القاهرة مرحلة جديدة وهامة من التطوير لإزالة العشوائيات وعودة المظهر الجمالي والحضاري للعاصمة حيث يشمل التطوير العديد من المناطق مثل  "مدينة الفسطاط" و"القاهرة الفاطمية"، كما تشهد العديد من المشروعات الهامة مثل مشروع المونوريل والقطار الكهربائي الخفيف والأتوبيس الترددي، لتصبح القاهرة مركزا سياسيا وثقافيا واقتصاديا رائدا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال بيئة اقتصادية مزدهرة تدعمها الأنشطة الاقتصادية المتنوعة وتحقيق التنمية المستدامة لضمان الحفاظ على الأصول التاريخية والطبيعية المميزة التي تمتلكها القاهرة، وتسهيل المعيشة فيها من خلال بنية تحتية تتميز بالكفاءة.

مخطط تطوير مدينة الفسطاط

 

وأخيرا وليس آخراً فبعد أن استعرضنا سويا في عجالة نبذات عن تاريخ القاهرة وتطورها، نجد أن هذا التاريخ العريق للقاهرة جاء نتيجة لما تتمتع به من موقع استراتيجي متميز، مما أهلها لتكون العاصمة السياسية لمصر على مر العصور، هذا إلى جانب كونها العاصمة الثقافية والفنية والعلمية والتاريخية للعالم العربي والإسلامي.

 

المصادر والمراجع:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*فتوح مصر: ابن الحكم.                                                             *مروج الذهب: المسعودي.

*الكامل في التاريخ: ابن الأثير.                                                    *جغرافية المدن: جمال حمدان.

*القاهرة خططها وتطورها العمراني: ايمن فواد سيد.                   *قيام دولة المماليك الثانية: حكيم أمين عبد السيد.

*المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والأثار: المقريزي.                  *تخطيط القاهرة وتنظيمها منذ نشأتها: حسن عبد الوهاب.

*عواصمنا الإسلامية قبل القاهرة: أحمد ممدوح حمدي.

 

موضوعات مرتبطة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- قصور القاهرة                                 - احياء القاهرة              

- شوارع القاهرة                                - أسوار القاهرة وأبوابها

- ميادين القاهرة                                - أشهر الأسبلة الأثرية بالقاهرة

- متاحف القاهرة                                - أشهر المدارس الأثرية بالقاهرة

- مساجد وكنائس القاهرة                    - أشهر الحمامات الأثرية بالقاهرة

- بيوت وقصور الثقافة بالقاهرة           - أشهر المجموعات الاثرية بالقاهرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

آخر تحديث: 2024

محادثة ألية
دائما نشط
أهلاً! الرجاء اختيار الخدمة المطلوبة.
1