مآذن القاهرة... فنون وتاريخ
للاستماع إلى الموضوع
إنها القاهرة تلك
المدينة التي اشتهرت بمدينة الألف مئذنة،وقد تنوعت أشكال المآذن فيها من عصر إلى
آخر، ولعلنا لا نبالغ في ترديد أقوال المؤرخين بأنه "ليس في مدن الإسلام مدينة تضارع القاهرة بكثرة مآذنها وتعدد أشكالها" فعندما تقع أعيننا على مآذن
القاهرة نشعر أنها منظومة من الفن المعماري الإسلامي الفريد التي تتنافس في الجمال.
مدينة الألف مئذنة
الاصطلاح اللغوي في تعريف
المئذنة
هي ذلك البناء
المرتفع على سطح المسجد أو الملحق به،والذي ينادي المؤذن من أعلاه بالآذان إعلاما
بدخول وقت الصلاة،ويطلق عليها أيضا "المنارة"لأنها كانت تضاء بالسرج في
أوقات الصلاة الليلية ليعلم من لا يسمع الآذان أن موعد الصلاة قد حان.
المؤذن يرفع الآذان
وظيفة
المئذنة
ترتبط وظيفة المئذنة في عمارة المساجد
بالنداء والإعلام بدخول وقت الصلاة، ويقوم بهذه الوظيفة المؤذن، ويشترط في المؤذن
أن يكون حسن الصوت،ويختلف عدد المؤذنين بكل مسجد عن الآخر،وحسب وثائق العصر
المملوكي فقد وجد أكثر من مؤذن في المسجد الواحد، وكان للمؤذنين رئيس،فنجد في
وثيقة وقف جامع ومدرسة السلطان حسن أن للمدرسة ستة عشر مؤذنا ورئيسا يتناوبون
الآذان،وجامع ومدرسة الأمير صرغتمش ثلاثة مؤذنين،ومدرسة السلطان برقوق ستة مؤذنين.
جامع ومدرسة الأمير صرغتمش
أشكال
المآذن
تمثل المآذن قطاعا قائما بذاته من فنون العمارة
الإسلامية فقد وجهت لها عناية كبيرة في التصميم والتنفيذ وتفاوتت ارتفاعاتها إلى
عدة عشرات من الأمتار و تم زخرفة بنائها وتزيينها بالنقوش الإسلامية البديعة
وأعطيت أشكالا شتى ما بين الشكل الدائري والشكل المربع والشكل المضلع.
وقد روعي دائما في بنائها أن تكون أبعاد قاعدتها متناسبة
طرديا مع ارتفاعها فكلما زاد الارتفاع زادت أبعاد ومساحة قاعدتها ويكون عادة
داخلها سلم حلزوني كان يصنع في الماضي من الحجر ،وحديثا يصنع من الخرسانة المسلحة
أو الحديد ويتم تركيبه بها مع مراحل بنائها والغرض منها أن يصعد المؤذن إلى شرفتها
حيث يقف بها ويرفع الآذان للصلوات في أوقاتها
.
ولقد صنف المتخصصون في العمارة الإسلامية أنماط المآذن
وأشكالها في فئات تتصل إما بالحقب التاريخية أو بالبلد الإسلامي الواحد أو بأشخاص
قاموا ببنائها من الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء ومن هنا وجدنا المآذن
الأموية والمآذن العباسية والمآذن الأندلسية والمآذن الفاطمية والمآذن المملوكية
والمآذن العثمانية.
بعض أشكال المآذن
بداية
تشييد المآذن بمساجد مصر
بدأت الملامح الأولى للعمارة بالعصور الإسلامية
في مصر بعد الفتح الإسلامي في عهد أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب)،وقد تم تأسيس
مدينة الفسطاط على يد القائد (عمرو بن العاص)عام 641م وتم بناء جامع
عمرو بن العاص بدون مآذن.
وبدأ ظهور المآذن في "العصر الأموي" وكانت أول
تلك المآذن بجامع عمرو بن العاص الذي تم
بنائه عام 641م،وتم عمل أربعة مآذن في أركانه، حيث أن الخليفة "معاوية بن أبي
سفيان" أمر"مسلمة بن مخلد" الوالي على مصر عام 672م أن يبني صوامع
للمسجد ليلقى منها الآذان، فبنى"مسلمة بن مخلد"أربعة صوامع في جميع أركانه،فكان بذلك أول من شيد المآذن بمساجد
مصر،ولم تكن هناك مآذن بمصر قبله،وذلك تقليدا لمآذن جامع دمشق ،ولم يرد نص تاريخي
لوصف هذه المآذن الأربعة،وقد تعددت مرات بناء وهدم هذه المآذن ،وفي كل مرة كانت
تبنى على طراز مختلف عن سابقيه،ولذلك فالمآذن الحالية لا تمثل الطراز الذي بنيت
عليه من قبل.
جامع عمرو بن العاص حالياً
المآذن
في عصر الدولة الطولونية (من 868 إلى 905م)
سمي بعصر الدولة الطولونية نسبة إلى أحمد بن طولون أحد
الولاة العباسيين الذي استقل بالبلاد وأقام دولته فيها وتمثلت المباني الدينية في
هذا العصر بجامع أحمد بن طولون عام 878م وقد جاءت مئذنته متأثرة في تصميمها بشكل
المئذنة الملوية "الحلزونية" للمسجد الجامع بالعراق حيث ولد ونشأ أحمد
بن طولون.
والمئذنة الحالية "لجامع أحمد ابن طولون"
عبارة عن أربعة طوابق ( الطابق الأول مربع وهو قاعدة المئذنة يعلوها طابق ثان
أسطواني ويأتي فوقهما طابقان مثمنان،تنتهي إلى الجوسق وهو على هيئة مظلة تعلوها
قبة صغيرة مضلعة)، وقد تم بناء المئذنة ثلاثة مرات،المرة الأولى(هي المئذنة الأصلية في عهد ابن طولون)،والمرة الثانية (في العصر الفاطمي وقد تهدم جزء كبير منها في
عهد الحاكم بأمر الله)، وأخيرا (في العصر المملوكي على يد السلطان حسام الدين
لاجين)،وهو الذي شيد الطابقين المثمنين،ولكن الجزئين الأسطواني والمربع يرجعان إلى
عصر بناء الجامع،وهذا الرأي هو السائد بين أغلب الأثريين
جامع أحمد بن طولون
المآذن
في عصر الدولة الفاطمية (من 969 إلى 1171م )
لقد تميزت المساجد في هذا العصر بالبساطة والتعبير
والتشكيل في الواجهات الداخلية والخارجية وأصبحت المآذن عنصرا أساسيا في
التشكيل،فلقد بدأت تظهر الملامح الأولى للمئذنة المصرية في العصر الفاطمي،ولم يتبق
الآن من المآذن الفاطمية إلا مئذنتا جامع الحاكم بأمر الله،ومئذنة جامع
الجيوشي،ومئذنة مسجد أبي الغضنفر.
وتختلف مئذنتا جامع الحاكم بأمر الله الآن عن زمن تشييد
الجامع،فقمتا المئذنتين من إضافات السلطان المملوكي بيبرس الجاشنكير الذي قام
بترميم المسجد، ويتكون الجزء الأصلي من المئذنة الشمالية من قاعدة مربعة وبدن
أسطواني،أما المئذنة الجنوبية فتتكون من قاعدة مربعة تنتهي بمثمن،وتعلو المئذنتان
قبة على شكل مبخرة.
مئذنتا الجامع الحاكم
أما مئذنة جامع الجيوشي عام 1085م، فتمثل أهم مرحلة من مراحل
تطور المآذن المصرية،وتتكون من قاعدة مربعة, يعلوها طابق مربع آخر، ويقوم على هذا
الطابق المربع طابق مثمن،وتتوج المئذنة قبة من الآجر وهي"مادة من مواد
البناء تستخدم في إنشاء الجدران والسقوف المقببة وفي تبليط الأرضيات وكسوة السقوف
المائلة والجدران".
مسجد الجيوشي
وهذه هي المرة الأولى التي
يستخدم فيها الطابق المثمن في مآذن القاهرة،وهي أقدم المآذن الفاطمية في مصر والتي
وصلت إلينا كاملة والتي يطلق عليها «طراز المباخر»وهي تشبه إلى حد كبير مئذنة
"مسجد أبي الغضنفر"عام 1157م،ولكنها تخلو من الطابق المربع الثاني،ونرى
في هذه المآذن"القاعدة المربعة"وهي الظاهرة والغالبة على شكلها العام
مسجد أبي الغضنفر
المآذن
في العصر الأيوبي (من 1171 إلى 1250م)
تطورت المساجد في هذا العصر بظهور المدارس التي تدرس
القرآن والحديث كمباني مستقلة في نطاق المباني الدينية واستعمل الإيوان بدلا من الرواق
،أما المآذن فقد احتلت مكانها فوق المدخل وانتهت قمتها بما يسمى المبخرة وتعتبر
مئذنة مسجد ومدرسة الصالح نجم الدين أيوب ،وهي النموذج الأصلي لمآذن العصر
الأيوبي،وهذه "المئذنة" عبارة عن قاعدة مربعة يعلوها طابق مثمن مرتفع
كثيرا عن طابق القاعدة المربعة الذي أخذ في التضاؤل،وفي قمة المئذنة قبة مضلعة وهي
المبخرة.
مسجد ومدرسة الصالح نجم الدين أيوب
المآذن
في العصر المملوكي (من 1250 إلى 1517م)
هو العصر الذهبي للعمارة الإسلامية في مصر،حيث كثرت
وتنوعت المنشآت المعمارية بين مدارس ومساجد وخنقاوات وخلافه وتطورت فيها الفراغات
الوظيفية في المسجد إلى حد كبير وألحقت به وحدات معمارية جديدة مثل الأضرحة ذات
القباب والأسبلة والكتاب وأصبح الطراز الإيواني هو الطراز السائد في هذا العصر أما
مآذنه فقد تميزت بجمال النسب.
وتنقسم هذه الفترة إلى عصر المماليك البحرية (من 1250إلى 1382م)
ومثال على ذلك مئذنتي جامع ومدرسة السلطان حسن وهي عبارة عن مئذنتين متشابهتين
شكلا ولكن مختلفتين في الحجم والارتفاع حيث أن المئذنة الجنوبية أكثر ارتفاعا من
المئذنة الشرقية وهما يتكونان من قاعدة حجرية يعلوها بدن مثمن تتخللها شرفات محملة
على عدد من الأعمدة ومتوجة من أعلى بقبة بصلية.
جامع ومدرسة السلطان حسن
أما مئذنة مسجد السلطان الظاهر برقوق فقد تم بناؤها في
عصر المماليك الجراكسة (من 1382 إلى 1516م) وتتكون المئذنة من ثلاث طبقات ثمانية الشكل
،حجرية ،أوسطها محلاه بزخارف رخامية بديعة تتخللها شرفات محملة على عدد من الأعمدة
ومتوجة من الأعلى بقبة بصلية.
جامع ومدرسة السلطان برقوق
ومن المآذن ذات
الطراز المعماري المملوكي الفريد مئذنة جامع الأزهر وهو له عدة مآذن،ولكن أشهرها
المئذنة ذات الرأسين والتي تتميز بالعمارة الإسلامية الرشيقة.
جامع الأزهر
المآذن
في عصر الحكم العثماني و حكم محمد علي (من 1517 إلى 1849م)
مع تفاقم الصراعات
بين سلاطين المماليك،دخل العثمانيون مصر وفرضوا سلطانهم عليها ومكثوا فيها أطول
فترة حكم خارجي عرفته مصر،والتي بلغت ما يقرب من ثلاثة قرون حيث تم تشييد العديد
من المساجد على الطراز العثماني،وظهر نمط المساجد ذو الصحن المقفل والمغطى بقبة
كبيرة وأنصاف قباب،أما المآذن فقد ظهرت مرتفعة ومنتهية بنهاية مدببة تشبه القلم
الرصاص، وتمثل مئذنة جامع سليمان باشا بقلعة صلاح الدين الأيوبي أول مثال لطراز
المآذن العثمانية في القاهرة حيث شيدت على طراز مآذن اسطنبول.
جامع سليمان باشا
وتقع في الركن الجنوبي من حرم الجامع وبدنها متعدد الأضلاع
لدرجة تبدو معها اسطوانية وقد أثرت على كثير من المآذن مثل مئذنة مسجد سنان باشا
وهي عبارة عن قاعدة مربعة ثم بدن اسطواني يعلوها شرفة مضلعة ثم بدن اسطواني وينتهي
بقبة مخروطية مدببة .
مسجد سنان باشا
أما عن مئذنة جامع محمد علي فهي عبارة عن ثلاثة طوابق
متعددة الأضلاع تفصلها شرفتان محملة على صفوف من المقرنصات،وتنتهي من أعلى بقبة
مخروطية مدببة،ونستطيع أن نلمس في هذه المآذن المذكورة نوعا خاصا من الازدهار يلفت الأنظار.
مسجد محمد علي باشا
تطور
المآذن في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي
لقد ظل الفن العثماني في المآذن شائعا في مصر حتى عهد
الخديوي توفيق باشا ،فلما كلف الخديوي وزارة الأوقاف بعمارةمسجد الامام الشافعي
عام 1885م في عهد وزيرها محمد زكي باشا ،رأى مهندس الأوقاف وقتئذ صابر صبري باشا
أن يرجع بالفن المعماري للمآذن إلى عصر المماليك فبنى منارة مسجد الامام الشافعي
على طراز هذا العصر،ومن ذلك الحين بدأ هذا الفن المماليكي يستعيد ماضيه في مصر.
مسجد الامام الشافعي
وهناك طابعا آخر في عمارة المآذن والذي ظهر في منارة جامع الطباخ ،وتنوع آخر ظهر في
مئذنة"مسجد فاروق" بالمعادي وهنا أراد المهندس الذي قام بتصميمها أن يحل
الفن المغربي في مصر محل الفن المماليكي أو العثماني مع لمسة من طابع الفن
الفارسي،أما منارة "جامع الأمير محمد علي" بقصر المنيل بالروضة عام 1933م فقد ماثلت
المآذن المغربية تماثلا قريبا رغم قصرها.
جامع الطباخ
ومن المآذن المتميزة مئذنة"مسجد النور"بالعباسية عام 1974م والتي تتميز بأنها ذات أعمدة صغيرة متراصةبجوار بعضها البعض وفيها
زخارف ونقوش بسيطة ببعض حوافها وكذلك مئذنة"مسجد الفتح"عام 1990م وهي
تتميز بجمعها بين الحداثة والقدم وقدقام بتصميمهما المهندس المعماري/حسين بكري.
مسجد النور مسجد الفتح
العمارة
في العصر الحديث
تأثرت المساجد عموما بعمارة الحداثة،وما في ذلك من اتجاه نحو
التجريد والتبسيط والابتعاد عن التفاصيل والتخفيف من الزينة،وعلى مستوى
المئذنة فقد ظهرت المآذن ذات النهايات العليا الدقيقة، بالإضافة إلى التحولات في
مواد البناء المستخدمة،ودخول الاسمنت والمعادن كمكونات للبناء.
ومن أشهر مآذن العصر الحديث مآذن "مسجد الفتاح
العليم" الذي يعد درة العمارة الإسلامية الحديثة كما يطلق عليه،ويقع
المسجد بالعاصمة الإدارية الجديدة،ويضم
المسجد ٤ مآذن كل منها بارتفاع 94.5 مترا،ومئذنتي"مسجد مصر" الذي يقع
أيضا بالعاصمة الإدارية الجديدة والتي ترتفع حوالي 140مترا عن سطح الساحة
العلوية،وتبلغ المساحة الكلية للواحدة 1600م2.
مسجد مصر مسجد الفتاح العليم
وأخيرا فإننا نجد أن مجموعة المآذن الإسلامية في القاهرة
فيها من الميزات ما لا نجده في مآذن أخرى وبخاصة في عصر المماليك أزهى العصور التي
ازدهرت فيها العمارة الإسلامية ازدهارا كبيرا فنجد منها
المربعة،الحلزونية،المثمنة،كمانجد المضلعةوالاسطوانيةونجد منها المبني بالحجر
جميعه أو بعضه أو بالآجر والمحلى بزخارف كتابية وغيرها.
المصادر والمراجع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•م/
طارق بدراوي،جريدة أبو الهول السياحية.
•أ/دوريس
أبو سيف،دراسة بحثية:مركز نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
•مساجد
المحروسة بين عبقرية العمارة ورونق التطوير،موقع الهيئة الوطنية للإعلام.
•حسن قاسم ،المزارات الإسلامية والآثار العربية في مصر والقاهرة
المعزية:مكتبة الإسكندرية،2017.
•لطفي
سعيد كليب صالح،شوكت محمد لطفي القاضي،عزت عبد المنعم مرغني،دراسة تحليلية
مقارنة،تطور عمارة المآذن في اليمن ومصر(من عصر صدر الإسلام حتى العصر
العثماني)،قسم العمارة بكلية الهندسة:جامعة أسيوط 2018.
موضوعات
مرتبطة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-نشأة القاهرة
-المساجد
الأثرية
-أشهر
المدارس الأثرية بالقاهرة
-أشهر
الأسبلة الأثرية بالقاهرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمزيد من الموضوعات "اضغط هنا"