فن التنورة..
رحلة من التصوف إلى الفلكلور المصري
مقدمة:
يُعد فن
التنورة من أعرق الفنون الشعبية في مصر، وله جذور صوفية عميقة. يُعرف هذا الفن
بحركاته الدائرية المتناغمة مع إيقاعات الموسيقى الروحية، مما يعكس مفهوم الحركة
في الكون والتناغم مع الطبيعة.
الأبعاد
الفلسفية والصوفية:
يُعبر راقص
التنورة عن مفاهيم مثل الوحدة مع الكون والسعي نحو الكمال الروحي من خلال حركاته
الدائرية. يُقال إن الرقصة تبدأ من نقطة وتنتهي عند نفس النقطة، مما يُعبر عن دورة
الحياة والخلق.
الأصول والتاريخ:
استلهمت رقصة التنورة من تركيا عندما ظهرت أول مرة في مدينة " قونية " في القرن الثالث عشر، فقد كان الشيوخ الصوفيين ينشئون "تكايا" لأبناء السبيل والفقراء والدراويش وكانت تضم حلقات ذكر طورها الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي بعمل حلقة لا تقل عن أربعين درويشاً بملابس مختلفة الألوان.
وكان الدراويش يرددون لفظ الجلالة ومع كل ترديده يقومون بانحناء رؤوسهم وأجسادهم ويخطون باتجاه اليمين فتلف الحلقة كلها بسرعة وبعد فترة قصيرة يبدأ أحد الدراويش بالدوران حول نفسه، ويسرع في حركته فتنشر تنورته على شكل مظلة وتظل لمدة عشر دقائق ثم ينحني أمام شيخه الجالس داخل الحلقة، ثم ينضم إلى الدراويش الذين يذكرون اسم الله بقوة.
واستطاع المصريون في أوائل الدولة الفاطمية أن يبدعوا فن التنورة كما هو معروف حالياً بعد أن استوحوه من المولوية الصوفية ليتميزوا بفلكلور خاص بهم، فقد أضافوا آلات شعبية كالربابة والمزمار والصاجات والطبلة وأغاني وابتهالات مصرية خالصة، بالإضافة إلى استخدام الدفوف والفانوس والألوان المزركشة أثناء الرقصات
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل أبدعوا في استخدام الألوان على التنورة؛ ليخرجوا بزي مختلف ومميز ملئ بالألوان الخلابة، ومع تطور العصور أضافوا مصابيح كهربائية صغيرة بمحيط التنورة تعمل ببطارية ويتم تشغيلها عن طريق زر صغير؛ لتضفي روحاً أخرى إلى تراث التنورة، وليعلنوا للعالم أن بصمتهم وفولكلورهم لن يستطيع الزمن طمسه مهما طال؛ بل يزيدهم فناً وإبداع.
وفي العصر الحديث، أصبح فن التنورة يُقدم في العديد من المناسبات والاحتفالات، وليس فقط في الطقوس الدينية. كما أنه يُعتبر جزءًا من الجذب السياحي في مصر، حيث يُقدم الراقصون عروضهم للزوار من مختلف أنحاء العالم.
الوصف والزي:
التنورة لها
ألوان جذابة تمتزج جميعاً في لوحة فنية رائعة أثناء دوران، ويطلق على مرتديها لفظ
"الحاناتي" في حركات متقنة ومحسوبة بدقة؛ لينتج عنه مهرجاناً فنياً
فريداً لا تستطيع منع نفسك من إمعان النظر في الرقصة، فترى " الحاناتي "
يرتدي ثلاثة أو أربعة تنورات تزن الواحدة منهم حوالي ثماني كيلوغرامات، وأسفل
التنورات يشد ظهره بحزام ملفوف على نصفة الأعلى حتى يساعده على اداء الحركات
بسلاسة أثناء ارتدائه التنورات.
وتصنع التنوارت
من القماش الخشن الذي يصنع منه قماش الخيامية ؛ ليتحمل الاستخدام الشاق لتيارات
الهواء المتدفقة أثناء الدوران ، ويبدأ لف الحاناتي من اليسار إلى
اليمين - عكس اتجاه عقارب الساعةـ ويكون ذراعه الأيمن متجهاً إلى
السماء والأيسر إلى الأرض ، وكلما زاد صوت إيقاع الإنشاد الديني كلما ازدادت سرعة
لفه، ويبدأ بخلع سترته العلوية ومن ثم التنورات كل واحدة تلو الأخرى بعد تقديم بعض
العروض بهم ،وتشمل عروض التنورة أيضاً استخدام الدفوف والفانوس الذي يعتبر أصعب
عروض التنورة.
ولكل حركة من
حركات الحاناتي تفسير ومعنى، فهو يشعر خلال الرقص أنه رمز الأرض ومركز الكون
ويعتبر طبقتي تنورته الأرض والسماء؛ وكأنهما رمز للعالم قبل انفصال الأرض عن
السماء، وترمز حركة يديه إلى انعقاد الصلة ما بين الأرض والسماء، مقتنعاً بأن
الدوران حول الذات يخفف من كل شيء ويحلق به في السماء ، وبمجرد وصوله لمرحلة خلع
التنورات فهذا يعني له أنه ارتقى و ارتفع ،بل إنه كلما تخلص من تنورة تخلص من
تعلقه بالأرض؛ ليصل في نهاية العرض إلى التخلص من الشق الأرضي ليرقى إلى الشق
السماوي ويصل إلى النقاء التام وصفاء الروح.
وأخيرا وليس
اخرا فإن فن التنورة هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي المصري، وإنه تجسيد للتصوف
الإسلامي ويعكس مفهوم الوحدة مع الكون والسعي نحو الكمال الروحي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- "الأداء الحركي بين
الفن والمعتقد في طقوس الدراويش الدوارة (المولوية)"، دراسة في
الفولكلور الصوفي - محمد شادي
- موقع
الهيئة العامة للاستعلامات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ
النشر: 10 يونيو 2024