الحرف والمهن التقليدية.. إرث ثقافي
هناك
مهن عدة اشتهر بها الشعب المصري لكن الزمن يأبى استمرارها في ظل التطور التكنولوجي
الرهيب الذى يشهده العالم حاليًا فأصبحت المهن التراثية في مهب رياح الإختفاء من
مصر ولكن محاولات إحياءها ومد يد العون بدعمها ماليًا وتسويقيًا ربما يكون سبيل
لمواجهة التراجع الحاد فى الطلب على منتجات هذه المهن من جانب، وكذلك الحد من
إدبار الشباب على تعلم ووراثة هذه الحرف والمهن من جانب آخر.
وتمثل
المهن والحرف ذاكرة تاريخية تعكس أصالة مصر وتشكلت من عادات الناس وأدواتهم في
قضاء حوائجهم ومن هنا ظهرت حرف ومهن على أنقاض أخرى سابقة عاونت الناس في حقب
ماضية على إنجاز جزء من أمورهم إلا أنها وبمرور الزمن فقدت بعض بريقها أمام التطور
حتى زال بعضها واختفى دون أثر إلا في الذكرى وبقي منها قليل جابه قسوة الأيام لإعتبارات
ليست بكثيرة انحصر أغلبها في شغف القائمين عليها بالمداومة والرغبة في الزوال
بصحبة أشياء أجادوها.
ونستعرض بعض المهن والحرف التي
اختفى بعضها نهائيًا ويواجه بعضها الآخر نفس المصير.
وهو
تمرجي وطبيب متخصص في جميع الأمراض يقوم بعمليات الختان للنوعين ولديه القدرة على
تصفية الخراريج وإسعاف الجرحى، إضافة إلى امتهان الحلاقة واعتاد حلاق الصحة على
التواجد في القرى والنجوع بشنطة أدواته المصنوعة غالبًا من الجلد أو الخشب وكانت
الموالد أزهى أيامه حيث يقصده الأهالي لإتمام عمليات الختان للأطفال للتبرك
بالليالي الكرام.
وهى
حرفة يدوية يصنع صاحبها الكراسي والأقفاص والسجاد وغيرها من مستلزمات البيوت بإستخدام
الخوص وجريد النخيل وتعتمد على مهارة صانعها في تشكيل المنتجات، واشتهرت بمزاولتها
أسر كاملة، ويستخدم صانع السلال أدوات قليلة مثل "مخرز، زوجي زرادية، سكين
حادة، مقص، وإبرة كبيرة"، ونجد أن البعض يفضل منتجات الخوص على المنتجات
البلاستيكية كونها مريحة وتدوم لفترات أطول وحاليًا تواجه الحرفة بعض المخاطر فيما
يتعلق بقلة الإقبال على منتجاتها ومع ذلك فإنها ما زالت قائمة في بعض المناطق
الريفية.
امتازت
وظيفة "السقا" بأهمية كبيرة في مصر منذ القرن العاشر الميلادي ويعتبر "السقا"
هو العامل المسؤول عن توصيل المياه من الخزانات إلى المنازل والمساجد، وكان "السقا»"
يحمل "قِربة" مصنوعة من جلد الماعز يملأها بالماء العذب على ظهره وفي
بعض الأحيان كان يضع الماء في أوعية كبيرة وبراميل ويضعها على عربات "كارو".
ولجأ
"السقا" إلى طريقة ليحصل بها على أجرته عن طريق إعطاء "ماركات"
وهى حصوات مشغولة أو خرز لصاحب البيت وكل عدد حصوات يكون مساوي لعدد المرات
المطالب فيها بملئ "الزير" لصاحبه، فكلما ملأ الزير أعطاه "مارك"
حتى ينتهي العدد فيتلقى أجرته كاملة، ولكن منذ إنشاء شركة المياه سنة 1865 في
القاهرة بدأت مهنة "السقا" تتوارى حتى انتهت بتغطية شركة المياه لجميع
المنازل.
عرفت
مصر الطربوش منذ أمد طويل يرجعه البعض إلى أيام الخلافة العثمانية وقدوم محمد علي
باشا لولاية مصر، وكان الطربوش قطعة أساسية في المناسبات الرسمية وساعد في إضفاء
وقارًا على مرتديه وكان يشير إلى ارتفاع المستوى المعيشي مما جعله رمزًا للوجاهة
الاجتماعية بل إن البعض كان يعيب على الرجل إذا خرج من منزله دون وضع الطربوش فوق
رأسه، ومن العائلات المصرية العريقة التي
اشتهرت بإرتدائه مثل "عائلة سعد زغلول، طه حسين، ومصطفى لطفي المنفلوطي".
ولكن
اختفى الطربوش منذ ما يزيد على 60 عامًا ولم يبقى له سوى صور ترافق الذكريات
وانتشر صانعوه في مناطق محددة مثل "الحسين والصاغة وحارة اليهود"، وكان
يصنع من الورق المقوى والقماش الأحمر، وغالبًا ما كانت تستورد خاماته من النمسا
قبل ثورة يوليو 1952 التي خاضت معارك ضارية للقضاء على ثقافة الطربوش الدالة على
الملكية، وكان
الطربوش يأخذ شكلًا مخروطيًا غير مكتمل وتتدلى من الجانب الخلفي منه حزمة من
الخيوط الحريرية السوداء عرفت أيام زمان بالـ "زر" ويتوافر في مصر
بنوعين هما "طربوش الأفندي، وطربوش العِمة الخاص بالمشايخ وطلاب الأزهر"
وكان عمره الافتراضي يتجاوز 15 سنة.
لعب
القبقاب دورًا بارزًا في الثقافة الشعبية المصرية وارتبط بعصر المماليك فلقيت شجر
الدر حتفها بضرب القباقيب وكان القبقاب رمزًا للدلع بين البسطاء نظرًا لمزاياه
العديدة ولعل أبرزها علوه عن مستوى الأرض وما يحدثه من "طرقعة" تميز
الجميلات عمن سواهن.
ويقال
إن القبقاب له مزايا صحية هائلة ويوصى به لمن يعانون من الحساسية ومرضى السكر لأنه
"بارد صيفًا ودافئ شتاءً" ونجد أن صناعة صناعة القباقيب انتشرت بكثافة
في خمسينيات القرن العشرين ثم تراجعت شيئًا فشيئًا وصار استخدامها قصرًا على
حمامات المساجد وتبدو الصناعة اليدوية البسيطة في طريقها للإندثار الآن.
هو
الشخص الذي يعهد إليه بإصلاح بوابير الجاز والأواني والمنتجات المصنعة عمومًا من
الألومنيوم والصفيح وتشبه ورشة السمكري البازارات في كثير من الأشياء لما تحتضنه
من منتجات عتيقة عفى عليها الزمن مثل "الشمعدان، والوابور "أبو شرايط"،
والوابور "الكبّاس"... وغيرها من المنتجات النادرة كما يشتهر السمكري في
منطقته بأسماء متعلقة بحرفته ولعل أشهرها "فونية"، وواجهت الحرفة بعض
الصعاب في ظل سلسلة التطورات الأخيرة وبات القادرون على مزاولتها في مهب الريح
لدرجة أن الحي الكبير يكاد يضم "سمكري" واحد.
حظيت
مهنة مبيض النحاس بأهمية كبيرة وكانت تدر ربحًا كبيرًا على صاحبها الذي كان له يوم
محدد يمر فيه على القرية ويتجمع الأهالي محضرين معهم أوانيهم النحاسية ويقوم مبيّض
النحاس باستعمال أدواته فكان يحضر كمية من الرماد الأحمر وماء النار ليضعهما داخل
الأواني النحاسية ويضع طبقة كبيرة من الخيش ويقوم بالوقوف داخلها ويدعكه بقدميه
بحركة دائرية منتظمة مرددًا بعض الأغاني والمواويل إلى أن يلمع النحاس وتزول من
فوقه الطبقة الخضراء "الجنزار" ومع مرور الزمن توارت هذه المهنة وبدأت
تنتشر الأواني المصنعة من الألومنيوم.
استخدمت
"مكواة الرجل" بين المصريين لتهيئة الملابس الصوفية الثقيلة التي تستعصي
على المكواة الصغيرة وهى مهنة قديمة لا يمارسها إلا قليلون وتعتمد على تسخين
المكواة وتمريرها على الملابس مع الإمساك بذراعها الطويلة المنحنية، ويقصد "مكوجية
الرجل" المتمسكون بالتقاليد القديمة في الملبس مثل "الأسطوات"
وكبار المقاولين ويقتصر تواجدها على الأماكن الريفية والشعبية.
لعبت
طائفة "الحمارة" دورًا هامًا في القاهرة في زمنٍ مضى حيث كان الحمار
وسيلة مواصلات رسمية وبلغ حين إذ عدد أفراد الطائفة 1729 حيث كانت عدد المشتغلين
بها يعتبر أكبر عدد بين أعداد الحرفيين وقتها، حيث يمكن لسكان القاهرة التنقل
بسهولة به وقطع المسافة الطويلة في وقت قصير رغم اتساع المدينة.
وبجانب
مهنة "الحمارة" كان هُناك مجموعة من العاملين الآخرين في مجال المواصلات من أبناء "العربجية"
و"الحمارين" وظلّت الحمير والبغال وعربات الكارو الوسائل الأساسية في
نقل سكان القاهرة وظل الامر هكذا حتى ظهور الترام في أغسطس 1896 حيث استقبله سكان
القاهرة استقبالاً سيئًا فأعلنوا الحرب عليه وأطلقوا عليه اسم "العفريت"
ولكن استسلموا للتطور في النهاية وحلّ الترام محل الحمير لنقل الركاب.
كان
القرداتي يجوب الشوارع حتى يجد جمع معين فيطلب إلى قرده أن يؤدي بعض الحركات
البهلوانية أمامهم ومنها "عجين الفلاحة" واعتاد القرداتي على الإمساك بـ
"دُف" للتطبيل لمساعدة القرد في آداء حركاته، كما حرص على تعليم قرده
بعض التصرفات المشهورة كتحية الناس والغناء على الناي والعزف على العود، ويعد
"القرداتي" من أولى المهن المنقرضة في مصر.
هو فن
ومهنة شعبية ازدهرت في مصر منذ أواخر العصر المملوكي (1250: 1517) وكان وسيلة للتسلية تستهدف الصغار والكبار
في المناطق الريفية والشعبية وتستخدم للتعبير عن مشاكل المصريين الاجتماعية ومن
أشهر فناني الأراجوز في العصر الحديث الفنان محمود شكوكو، وكانت عروض الأراجوز
المصري موجودة في مصر قبل الفتح العثماني وبذلك يرجّح انتقال فن الأراجوز من مصر
لتركيا عن طريق العثمانيين.
ويعتبر
"الأراجوزاتي" هو الشخص الذي يحرك العرائس من الأسفل بصوته ويضع في فمه آداه
يطلق عليها البعض "زمارة الأراجوز" ويسميها أصحاب المهنة بـــ "الأمانة"
يضعها فوق اللسان وتحديدًا في منتصف الحلق فيخرج منها صوت الأراجوز ويختبئ اللاعب
تحت مائدة أو وراء لوح من الخشب به مستطيل مفتوح لتحريك عرائسه، ولكن مع تطور
الزمن نجد أن مهنة وفن الأراجوز تواجه
حاليًا مخاطر الاختفاء بعد طغيان دور السينما والتليفزيون.
البيانولا..
هو صندوق خشبي في حجم الدولاب الصغير مزود بزخارف خشبية ورسمومات لشخصيات كارتونية
به أكثر من فتحة ومغطى بقطعة من القماش الأسود ويوجد بداخله عدسة مكبرة يدور خلفها
شريط مصور عليه بعض الصور لحكايات تراثية مثل "حكايات عنترة والزناتي وعاشور
الناجي"، وللصندوق "مانفيلا" في الجانب الأيمن لتدوير الصور كما
توجد رافعة على الجانب الأيسر لتشغيل الموسيقى، وعندما يظهر صاحب الصندوق ينادي
بصوت عال "اتفرج يا سلام" فيتجمع الأطفال ويجلسهم على "دكة"
خشبية ثم يضعون رؤوسهم في الصندوق لمناوبة المشاهدة.
ولكن
الآن انقرضت هذه المهنة في مصر منذ زمن طويل ولكن في وقتها تغنى صلاح جاهين
بالبيانولا فقال "بيانولا وألابندا وحركات.. اطلعي بقى يا نصاص يا فرنكات..
أنا عازمك يا حبيبي لما الاقيك.. على فسحة في جميع الطرقات.. نتنطط نتعفرت نترقص
كدهوه.. كدهوه كدهوه كدهوه".
هى
حرفة لازمت الإنسان وتعود إلي عصر ما قبل الأسر في مصر وكان المصري القديم أول من
اهتم بها ووصل إلى درجة عالية فيها من الدقة والكمال بداية من أواني الأطعمة
وأدوات الزينة وحتى توابيت الموتى لذا رفعوا صانع الفخار "الفخراني" إلى
أرفع مكانة يمكن أن يصل إليها عامل بسيط فقد صوروا الإله "خنوم" إلاه
الخلق عند الفراعنة وهو يجلس على عجلة الفخار ليشكل الإنسان.
وقديما
كان المصريون ينتظرون موسم الفيضان بفارغ الصبر وبمجرد وصول الطمي يسارعون بتجميعه
وتقديمه لصانعي الفخار لتصنيع الأواني والمستلزمات المنزلية والكهنوتية ثم يتم
حرقها ليتغير لونها طبقًا لنوع الطمي الذي صُنعت منه فالرواسب الطينية تتحول إلى
اللون البني أو الأحمر ورواسب الهضاب الجيرية يتحول لونها إلى اللون القرنفلي أو
الأحمر الخفيف، وإذا زادت عملية الحرق تختلف ألوانه بإختلاف قوة الحرارة فتتحول
إلى اللون السنجابي أو الرصاصي أو الأرجواني أو الرمادي الضارب إلى الخضرة.
واستمرت
صناعة الفخار على هذا الحال البدائي ولم تشهد أي تقدم حتى نهاية القرن الـ 19 عندما
أنشأ جونسون باشا ـ مدير الورش الأميرية في ذلك الوقت مصنع الخزف في منطقة
"فم الخليج" مستخدمًا بعض الأفران للزجاج الملحي في إنتاج الترابيع
القاشانية لكن المصنع لم يستمر طويلاً وتوقف عن العمل، ثم قام "ماثيو"
تاجر الخزف بالإسكندرية بإنشاء مصنعًا آخر بالاستعانة بالخزاف الفرنسي
"كوتيه" الذي استعان بدوره بالخزافين اليونانيين.
ومع
بداية القرن العشرين استمر إنشاء المصانع الخزفية بشكل فردي ففي الثلاثينات أسست
السيدة "هدي شعراوي" مصنعًا للخزف بالقاهرة أحيى النماذج المستوحاة من
الفنون الإسلامية، بالإضافة إلى إنها أرسلت بعثات دراسية إلى أوروبا وكان
"محمود صابر" أول مبعوث تعلم في مصنع "سيفر" بفرنسا وعاد ليدّرس
الخزف في مدرسة الفنون التطبيقية ثم أنشأ قسمًا خاصًا بالخزف في مدرسة الصناعات
الزخرفية ببولاق.
وكان
للجمعية الشعبية والتي تعرف اليوم بالهيئة العامة لقصور الثقافة عدد من المحاولات
في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي فأفتتحت أقسام لتدريب الهواة على فن الفخار
والخزف ونجحت بالفعل في إقامة ملتقى
للفخار السنوي بمحافظة قنا عام 1999 ميلادية ولقد ساعدت دوراته على تطوير الحرفة
وعلى صنع ملتقى خصب بين المبدعين مما ساعد ذلك الفن على عدم الاندثار.
- أنواع الفخار
يشتمل
الفخّار على العديد من الأنواع ومنها:-
الخزف.. ويعود تاريخ صناعة الخزف لحوالي 9000 عام
ويُعتبر أوّل نوع تمت صناعته ولا يزال يُستخدم في الوقت الحاضر.
الخزف الحجري.. ويتسم الخزف الحجري بكونه صلباً جداً وهو في
العادة شبه شفاف ولكن يختلف لونه فيمكن أن يكون أحمراً، أو بنياً، أو رمادياً، أو
أسوداً، أو أبيضاً وقد صُنع لأوّل مرّة في الصين عام 1400 قبل الميلاد.
البورسلان..
صُنع هذا النوع من الفخّار لأوّل مرّة في الصين في عهد سلالة تانغ الحاكمة، بينما
لم يُصنع في الغرب ويتم تصنيعه من الطين الصيني الأبيض المُسمّى بالكاولين، وحجر
الصين والذي يتم طحنه واستخدامه مع الطين ويُعرف بإسم البيتونتس.