المتحف القبطي......رحيق العصور التاريخية
نحو 20 ألف قطعة أثرية وفنية نادرة
من الأناجيل والأيقونات والمخطوطات والنسيج والأخشاب تعكس حقب تاريخية منذ القرن
الرابع الميلادي يحتضنها متحف الفن القبطي بمصر، كما يحتضن بين جدرانه ما يعكس
الوضع المسيحي أثناء فترة العصر الروماني، ذلك العصر الذي سُمي بـ "عصر
الشهداء"، حيث تعرض المسيحيون للتنكيل والتعذيب طيلة القرون الأولى من ميلاد
السيد المسيح عليه السلام، حتى اعترفت الإمبراطورية الرومانية بالديانة المسيحية.
موقعه:
يقع في حي مصر القديمة بمدينة
القاهرة، وتحديداً داخل أسوار "حصن بابليون" ذلك الحصن الذي بُني في
العصر الروماني أثناء حكم الإمبراطور تراجان، ليكون خط الدفاع الأول لبوابة مصر
الشرقية، والذي يُعد أحد أشهر الآثار الرومانية في مصر.
تاريخ
المتحف وأهميته التاريخية:
بدأت فكرة المتحف القبطي تطفو على
السطح بعد أن قام عالم المصريات الفرنسي، "جاستون كاميل شارل ماسبيرو"،
بجمع أعمال الفن القبطي التي كانت متناثرة في أماكن عديدة في مصر، وخصص لها إحدى
قاعات المتحف المصري للآثار في بولاق، حيث كان يشغل منصب أمين عام للمتحف المصري
حينئذ، ومع زيادة أعداد القطع الفنية التي عُثر عليها، ازدحمت قاعة المتحف المصري،
واقترح ضرورة إنشاء متحف مستقل مُخصص لعرض الآثار المسيحية.
فكان الباحث القبطي المصري
"مرقس سميكة باشا"، أول من ساهم في تأسيس المتحف، حيث طالب بضم مجموعة
الآثار القبطية إلى اهتمامات لجنة حفظ الآثار والفنون عام 1893 م، فمنحه البابا
"كيرلس الخامس" بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أرض تابعة للكنيسة
المعلقة، نظراً لأهمية المكان وعظمة مكانته التاريخية، وفتح باب الاكتتاب العام
ليشارك فيه جميع فئات المصريين، وبُني المتحف وكان يتكون من حجرتين داخل الكنيسة
المعلقة، وأفتتح عام 1910 م، وجُمع فيه الآثار القبطية التي كانت موجوده بالمتحف
المصري، كما جمع سميكة باشا الباقي من الكنائس والأديرة الأثرية وقصور الأغنياء من
الأقباط، وتولى سميكة إدارة المتحف فكان أول مدير له حتى وافته المنية في أكتوبر
1944م.
وظل المتحف تابعاً للإدارة
البطريركية القبطية حتى عام 1931، حيث انتقلت تبعيته لوزارة المعرفة الثقافية، وفي
عام 1947 أُنشئ الجناح الجديد في عهد الملك فاروق، وبدأت عمليات تطوير جناحيه
القديم والجديد ليفتتح من جديد عام 1984، وفي عام 1992، وقع أكبر زلزال لمصر في
العصر الحديث، هذا الزلزال تسبب في تدمير جزء كبير من المتحف، فاضطر المسئولين
لغلقه، وبدأت عمليات الترميم ليفتتح عام 2006، بعد غلقه لفترة 14 عاما، وبمجرد أن تطأ قدميك أرض المتحف سيلفت
انتباهك طابع الفن القبطي الممزوج بالتقاليد المصرية القديمة، والحضارة الهلنستية،
والبيزنطية، والإسلامية، ويجمع المتحف بين المادة الأثرية والوثائق التي تساعد في
دراسة تاريخ مصر منذ بدايات ظهور المسيحية وحتى الآن.
واجهة
المتحف:
تُترجم واجهة المتحف القبطي وعي
صاحبها الفنان التشكيلي راغب عياد بالجذور المشتركة التي تجمع المصريين، فواجهة
المتحف نموذج طبق الأصل من واجهة جامع الأقمر الذي يرجع للقرن الــ 12 ميلادياً،
مع إضافة بعض الرموز المسيحية، حيث يتميز مدخل الجامع بالعقد المعشق الذي يعلوه
العقد الفارسي وهو على هيئة مروحة تتوسطها دائرة في مركزه صدفة تحمل لفظ الجلالة،
وفي المتحف القبطي حل محلها الصليب الملطى.
وأمام المدخل الرئيسي للمتحف نجد
أسدين من الحجر رابضين أمام الباب وكأنهما يحرسانه وعلى بعد خطوات نجد تمثال نصفي
على قاعدة رخامية لمؤسس المتحف سميكة باشا والذي تم وضعه في هذا المكان كنوع من
أنواع التكريم ورد الجميل، وأمام واجهته الرئيسية توجد ساحة بها العديد من
النافورات ذات الأشكال الهندسية الرائعة ومجموعة كبيرة من الأحجار الأثرية من
تيجان وأعمدة ومقاعد وزلع وتوابيت وبعض التماثيل ومنابر مصنوعة من الحجر منها منبر
الأنبا إرميا، الذي يرجع للقرن السادس أو السابع ميلادي، مصنوع من الحجر وقد عثر
عليه بدير الأنبا إرميا بسقاره.
مقتنيات
المتحف:
تبلغ عدد المقتنيات بالمتحف حوالي
16000 مقتنى وقد رتبت المقتنيات تبعاً لنوعياتها إلى أثنى عشر قسماً، حيث نجد قسم
الأحجار والرسوم الجصية، وقسم تطور الكتابة القبطية والمخطوطات، وقسم الأقمشة
والمنسوجات، وقسم العاج والأيقونات، وقسم الأخشاب، وقسم المعادن، وقسم الفخار
والزجاج. فضلا عن روائع الفن القبطي ومخطوطات للكتاب المقدس تعود لآلاف السنين.
يتألف
المتحف من جناحين يربط بينهما ممر صغير:
يُعد الجناح القديم؛ الذي أنشئ عام 1910م تحفه
معمارية رائعة تضم قاعات فسيحة صممت سقوفها من خشب مزخرف، وهو أحد روائع هذا
الجناح، كما يشتمل أيضا على مشربيات غاية في الروعة، فضلا عن جدرانه التي كسُيت
بألواح من الرخام الفاخر والفسيفساء وزود بمجموعة من النافورات، كما يتميز الجناح
القديم بوجود أقدم مخطوطات للكتاب المقدس، و بفاترينة تحتوي على مناظر نيلية توضح
عمليات الصيد، وأخرى تظهر النباتات المائية، فضلا عن قطع حجرية تمثل الإله
"نيلوس" رمز النيل عند الإغريق، كما يضم الجناح عدد من الأفاريز
المزخرفة بنقوش على شكل أرنب وبعض الطيور مثل الطاووس.
أهم
مقتنيات المتحف:
يُعد كتاب " مزامير داوود"
الذي تفرد بتخصيص قاعة كاملة له وهي القاعة رقم 17، من أهم مقتنيات المتحف، وقد
عثر عليه في مقبرة تعود إلى الفترة المسيحية المبكرة وكان موضوع تحت مومياء طفل، وفيم
يخص الجناح الجديد فهو يضم العديد من المقتنيات مثل مجموعة الأيقونات وهي اللوحات
الخشبية التي تتضمن صوراً تمثل موضوعات مختلفة أو قديسين والتي تٌعلق على جدران
الأديرة والكنائس مثل: أيقونة الانبا بولا والأنبا أنطونيوس حيث تمثل هذه الأيقونة
الشهيرة زيارة القديس أنطونيوس (على اليسار) للقديس بولا، الذي عاش في الصحراء
الشرقية بالقرب من البحر الأحمر.
كما يضم المتحف عينات كثيرة من
النسيج القبطي المتميز؛ والذي يعُبر عن قدرة الفنان القبطي في مجال الغزل والنسيج،
وفي تكوين العديد من المناظر والكتابات والعناصر الزخرفية. ومن أبرز تلك المقتنيات
"ستارة الزمار" التي تعود للقرن الرابع أو الخامس الميلادي، والمصنوعة
من الكتان والصوف، وهي تصور زَّماراً وإلى اليسار لوحة رأسية تتكون زخارفها من
محاربين وراقصات وفى الوسط فرسان من نسيج القباطى من الكتان والصوف.
وفيما يخص المقتنيات الخشبية فإن
المتحف يضم قطع خشبيه هامه تفيد في دراسة فن النحت فيما بين القرنين الرابع
والسادس مثل باب كنيسة القديسة برباره المصنوع من خشب الجميز، ومذبح كنيسة القديس
سرجيوس وواخس، بالإضافة إلى بعض القطع الخشبية مثل الأحجبة والأبواب التي ترجع
للقرنين العاشر والرابع عشر الميلادي.
المراجع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دليل المتحف
القبطي وأهم الكنائس والأديرة الأثرية، مرقس سميكة باشا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ التحديث: 2024