الفن والسياسيه والأدب على مقاهي القاهرة
متاتيا، اللواء، ريش، الفيشاوي، الأنجلو، البوسته هى أسماء لمقاهي القاهرة والتى سطرت صفحات من تاريخ المصريين وكانت ترمومتر الحياة السياسية والثقافية داخلها. فعلى موائدها تشكلت الوزرات وقامت الثورات وتبادل الأدباء والظرفاء أشعارهم وأزجالهم ... ويوماً بعد يوم مازالت تفوح هذه المقاهي بأسرار التاريخ وتحكى حكايات المشاهير والتى نروى جانب منها على طاولة عدد من مقاهي القاهرة.
بداية مقاهي القاهرة
عرفت مصر المقاهي في القرن التاسع عشر أثناء فترة الحكم العثماني وقد أحصى العالم المؤرخ "علي باشا مبارك" في خططه ما يقرب من 1027 قهوة في القاهرة عام 1880، من بينها 232 قهوة في قسم الأزبكية ،160 في بولاق وعابدين.
والمقاهي أو "القهاوي" كما يطلق عليها بالعامية المصرية هي "أماكن لشرب القهوة" أطلق عليها في اللغة اللاتينية كلمة "كافيه" لتدل على المكان الذي تشرب فيه المشروبات مثل: الزنجبيل والقرفة والينسون فيما كان الشاي - في القرن التاسع عشر- لا يقدم إلا في منازل رجال الطبقة العليا في المجتمع وكانوا يتفننون في اختيار أنواعه التي يستوردونها من إنجلترا.
أنواع المقاهي
للمقاهي عالم كبير وواسع فتتعدد أنواعها فكانت ما بين مقاهي "بلدي ، أفرنجي، حرفي" كما توجد المقاهي النوبية وهي تمثل وكالات أنباء للنوبيين في القاهرة يتداولون فيها أخبارهم وأخبار عائلاتهم ولم يكن مباحًا في الماضي جلوس النساء في القهاوي حتى بعد ظهور الحركة النسائية في مصر.
مقاهي للمشايخ وأخرى للصعاليك
كانت للمشايخ وطلبة الأزهر مقاهيهم في حي الحسين وأشهرها "قهوة شعبان" وكان من زبائنها المطرب "محمد الكحلاوي" بينما كان للمجاذيب والصعاليك وأرباب الطرق الصوفية مقهاهم الخاص وكان من أشهرهم "على نيابة" الذي تقمصته شخصية ضابط في جيش "محمد على باش"ا فكان يرتدى الملابس العسكرية ويضع فوق رأسه طربوشا له زر طويل ويزين صدره بأنواع شتى من النياشين الفالصو وسدادات زجاجات المرطبات، وكان يكحل عينيه ويمسك سيفا من الصفيح وهو يقدم عروضه العسكرية ونداءاته الحماسية المبهمة.
مقاهي رواد الفكر والإبداع
وكان هناك أيضًا مقاهي خاصه لرواد الفكر والابداع ومنها مقهى "البوستة" التي كان يرتادها جمال الدين الأفغاني ومقهى"اللواء" المكان المفضل لشاعر النيل حافظ إبراهيم "ومتاتيا" قبلة الفن المصري وفي مقدمتهم نجيب الريحاني والأديب العالمي نجيب محفوظ و قهوة "الفيشاوي" التي يرتادها بعض السياح.
وفي النهايه وأيًا كان الرأي تظل المقاهي بمثابة مسرح مفتوح يعكس الكثير من معالم الحياة اليومية المصرية التي تعلو فيه الأصوات متداخلة مع حركة الباعة المتجولين الذين يعرضون مختلف البضائع الخفيفة كالسبح ومراوح اليد بل وحتى بضائع ثقيلة منها سجاجيد ومرايا وكتب.
مقهى الأنجلو.... مقر رجال السياسة
هنا وسط شارع شريف بالقاهرة الخديوية منذ ما يقرب من قرن كانت تُعلق لافتة يكتب عليها «بار الأنجلو» وهو أشهر الحانات التي كان يفضلها العديد من (الفنانين، والسياسيين، والكتاب، والصحفيين) من جيلي الستينات والسبعينات حيث كانت ترتفع الأصوات بالضحك والنميمة والأحاديث الاجتماعية والسياسية وكان شاهدًا على العصر وعلى طاولته تتشكل الوزارات وتحاك المؤامرات السياسية فقد اشتهر بأنه مقرًا لرجال السياسة فقط بينما لم يكن الطلبة يرتادون هذا النوع من المقاهي.
وعلى مقهى الأنجلو كان يتجمع رجال السياسة من أحزاب مختلفة يلتقون في هذا المقهى الفسيح تٌجمعهم فناجين القهوة في الصباح والسهر والنميمة في المساء فهم "متحابين في المساء، ومتحاربين في الصباح"لذلك كانت موائد هذا المقهى عادة محجوزة لرجال السياسة خاصة من البشوات وكل باشا له مزاجه الخاص وله "شلته" التي تتجمع حوله ولا يسمح لأحد غيرهم بالجلوس معهم.
ومما يُحكى عن هذا المقهى أن وكيل وزارة الداخلية "حسن فهمي رفعت باشا" كان كل صباح يذهب إلى مقهى "الأنجلو" ليشرب فنجان القهوة ويلتقي برجل مهم اسمه "الشيخ رويتر" سمى بذلك لكثرة ما يحمله من أخبار وحكايات نافس وكالة رويتر في البث ، يجمع أخباره من عمال المقاهي وخدم المنازل ويجلس السيد حسن رفعت باشا يعرف ما يدور بالبلد ويستمع دائما إلى صالح رويتر في صمت لا يقطعه سوى صوت رشفاته من فنجان القهوة ثم يذهب إلى مكتبه بالوزارة سيرًا على قدميه من شارع شريف إلى شارع الشيخ ريحان ثم يضع الباشا خططه طبقًا لتقرير الشيخ صالح رويتر.
ويقول الكاتب عبد المنعم شميس : لقد اشتغلت سكرتيرًا خاصًا "لحسن باشا رفعت" بعد تخرجي من الجامعة لمدة ستة أشهر أو أكثر قليلا ولم أر في حياتي رجلا مثله في هدوء الأعصاب والسيطرة على المواقف المتفجرة، ولكن بعد ما يقرب من 90 عامًا من افتتاحه أٌغلق ثم تحول لمقهى يحمل اسم «كافية ليالي التوفيقية» حافظت إلى حد ما على شكلها القديم لكن لم يستمر هذا المقهى كثيرًا فسرعان ما أٌغلق هو الآخر وانتهى المطاف بهذا المكان إلى مقر لإحدى شركات الدفع الإلكتروني الذي غيرت شكله تمامًا وأصبح يصبغ بصبغة الطراز الحديث.
مقهى اللواء... مقهى الصحفيين والمطربين
على بعد أمتار من مقر جريدة الأهرام القديم بـ "باب اللوق" كان "مقهى اللواء" والذي اشتهر بأنه ملتقى السياسيين والأدباء وفحول الظرفاء وغيرهم من الصحفيين والمطربين والمعممين وقد اكتسبت اسمها وشهرتها من جريدة اللواء التي كان يصدرها الزعيم الوطني "مصطفى كامل" زعيم الحزب الوطني.
وقد اختفى هذا المقهى حاليًا وبُنى مكانه "عمارة اللواء" التى تشغى بعيادات الأطباء ومكاتب المحامين ورجال الأعمال والبعض من الصحفيين العاملين بجريدة الأهرام المجاورة قبل إنتقالها إلى مبناها الجديد بشارع الجلاء.
كان من بين نجوم "مقهى اللواء" علي كامل شقيق مصطفى كامل والشيخ عبد العزيز جاويش ومحجوب ثابت والشيخ حلمي طومارة وحفني محمود باشا وزير المواصلات وأنطوان الجميل صاحب جريدة الأهرام والشعراء كامل الشناوي وعبد الرحمن الخميسي ومصطفى حمام وعبد الحميد الديب ودسوقي أباظة والضاحك الباكي فكرى أباظة باشا والظريف الثري محمد البابلى وعبد الحليم الغمراوي مندوب الأهرام لدى القصر الملكي ورئاسة الوزراء وهو قد أقسم على ألا يخلع الطربوش عن رأسه حتى تتحرر البلاد من الاستعمار البريطاني.
وجدير بالذكر أن مقهى اللواء كان مكان إلتقاء الصحفيين خاصة كبار محرري جريدة الأهرام التي كان مبناها القديم مواجهًا للمقهى فقد كانوا يتركون مكاتبهم ويحررون الجريدة على الموائد حيث تسمع وتصنع الأخبار ويشار إلى أن محمود أبو الوفا قد كتب أشهر قصيدة هجاء في الغرابلي باشا وزير الأوقاف وقبض ثمنًا لها عشرة جنيهات بالتمام والكمال وهو جالس في المقهي والأكثر من ذلك أن رواد المقهى اتفقوا مع "فليكس سدارس" صاحب سكة حديد حلوان على استئجار قطار ينقلهم من باب اللوق إلى حلوان بعد قضاء سهرتهم التي كانت تستمر في القطار نفسه حتى الصباح ومن ألمع شخصيات مقهى "اللواء" الدكتور محمود عزمي الصحفي الشهير الذي أنشأ قسم الصحافة في كلية الآداب.
مقهى الفيشاوي ... مقهى الأمراء والملوك والفنانين
من بوفيه صغير إلى مقهى تاريخي كبير هذا هو مقهى الفيشاوي الذي جلس على طاولته الملوك والأمراء والفنانين سطروا أحداثًا وأزمنة وحكايات ظلت تتوارث عن هذا المكان الذى أنشئ عام 1771م في قلب خان الخليلي، وقد إختلف المؤرخون في وصف هذا المقهى ... هل هو مقهًا للمثقفين أم مقهًا شعبيًا نظرًا لكثرة ما مر به من أحوال وأوضاع على مر التاريخ ... إلا أن مكانه الحالي في منطقة خان الخليلي أكسبته وبقوة الصفة السياحية.
فمقهى الفيشاوي هو أحد المقاهي الكبرى المطلة على المشهد الحسيني ... وعلى مر التاريخ إرتاده زعماء ومفكرون وسياسيون عرب وأجانب وكذلك ملوك وأمراء وفنانين ... ولنتعرف معًا على سر هذا المكان الكبير وتاريخه عبر جولتنا التالية :
نشأة مقهى الفيشاوي
كانت بداية مقهى "الفيشاوي" ببوفيه صغير يدعى "البسفور" سمي فيما بعد بمقهى الفيشاوي أنشائه الحاج عبدالله الفيشاوي عام 1771 في قلب خان الخليلي ليجلس فيه رواد خان الخليلي من المصريين والسياح وكان مكوناً من دكاكين صغيرة ظلت تتسع تدريجيًا.
وفي عهد الخديوى إسماعيل حصل علي أول ترخيص عام 1863 وظل المقهي يتسع تدريجيًا وكان عصر النهضة بالنسبة له في عهد "فهمي الفيشاوي" حيث وصلت مساحته لأكثر من تسعمائة متر ومنذ العشرينيات من القرن الماضي وفهمي الفيشاوي يكافح لكي يجعل للمقهي شخصية مميزة لا يحيد عنها كان الشكل العام للمقهي عبارة عن ممر طويل كما هو الآن ولكن كان به (ايوانات) أو غرف علي اليمين واليسار كل ايوان كان مسمي باسم أديب أو فنان مشهور فهذا ايوان نجيب محفوظ وهذا إيوان أحمد رامي وايوان حافظ إبراهيم وهكذا وكان الأثاث قوامه دكك خشبية يعود تاريخها إلي عام 1910 وقطع من الأرابيسك وترابيزات رخامية وصواني نحاسية موغلة في القدم.
وقد عكف "ضياء الفيشاوي" حفيد الحاج/ فهمي صاحب المقهى على إكساب مقهاه شكلاً مميزاً عن طريق حفاظه على النمط الشرقي في الأثاث والديكورات وحافظ كل أولاده من بعده على هذا النهج الأمر الذي أكسب المقهى طابعًا ميزه عن بقية المقاهي التي انتشرت في كل أرجاء خان الخليلي فكان يرى في تزيين المقهى بالمرايا ناحية وظيفية غير الناحية الجمالية وهي أنها تسهل له رؤية كل أركان المقهى وهو جالس في مكانه المفضل بجوار باب المقهى من الداخل،ويضم المقهى حالياً ثلاثة حجرات لكل منها جمهوره الخاص.
البسفور للملوك وكبار الضيوف والتحفة للفنانين فقط
أولى غرف المقهى غرفة "البسفور" وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس ومليئة بالتحف والكنب العربي المكسو بالجلد الطوبي وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني وكانت مخصصة للملك فاروق آخر ملوك أسرة محمد علي في رمضان وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب وثاني الغرف أطلق عليها "التحفة" فهي مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسو بالجلد الأخضر وهي خاصة بالفنانين.
أما أغرب الحجرات فهي حجرة "القافية" وكانت الأحياء الشعبية في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في القافية، عن طريق شخص يمثلها من سماته خفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والسخرية، فكان يبدأ ثم يرد عليه زعيم آخر يمثل حيا آخر، ويستمران في المنازلة الكلامية حتى يُسكت أحدهما الآخر.
تحف وأثار مقهى الفيشاوي
يضم مقهى الفيشاوي العديد من التحف المتناثرة والإهداءات التي تلقاها من بعض الأمراء والوزراء ومنها التمساح الإفريقي الذي يجلب الحظ ومهدى من رئيس وزراء السودان وستائر زجاجية من الأحجار الكريمة والمرجان كانت تحجب وتشف في آن واحد هذا إلى جانب المرايا الضخمة التي اشتهر بها المقهى للحد الذي جعل الكتاب يطلقون على مقهي الفيشاوي في المراجع الفرنسية بـ "مقهي المرايا".
ويعود تاريخ أقدم المرايا بها إلى عصر محمد علي وهي مرايا بلجيكية حصل عليها الحاج فهمي ووالده من القصور الملكية التي كانت تجدد مفروشاتها وأثاثها وهي إلى جانب وظيفتها الجمالية فلها وظيفة أخرى حيث كان الحاج فهمي صاحب المقهى يراقب عماله من خلالها في هذا الممر الطويل.
أشهر رواد وزوار مقهى الفيشاوي
ومن أشهر الشخصيات التي زارت المقهي نابليون ... وروميل القائد الألماني الشهير .... وجان بول سارتر .... وسيمون دو بوفوار هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الأمراء العرب كما زارته الإمبراطورة أوجيني أثناء الاحتفال بافتتاح قناة السويس عام 1869 وأعجبت بالورود الصناعية العجيبة التي كانت محفوظة في غرفة زجاجية تخدع الناظرين بأنها طبيعية.
كما زار المقهى الرئيس جمال عبد الناصر ومعظم أعضاء مجلس قيادة الثورة وكبار الشعراء مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومطران خليل مطران والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ويحتفظ المقهي بسجل الزوار وبه كلمات تاريخية لشخصيات عديدة.
نجيب محفوظ على قهوة الفيشاوي
كان نجيب محفوظ دائم الجلوس بالمقهى وكان صديقًا للحاج فهمى الفيشاوي صاحب المقهى وألف معظم رواياته في المقهى وكان يحب في ليالي شهر رمضان الاستماع إلى غناء المطربين الشعبيين محمد عبد المطلب ومحمد الكحلاوي وهما يشدوان بأغانيهما على المقهى بل كثيرًا ما يشاركهما محفوظ الغناء ومعه بقية رواد المقهى.
وعن نجيب محفوظ يحكى الكاتب يوسف الشريف "كانت فرحتى لا توصف بينما أترقب وصول نجيب محفوظ لعلي أفوز بالحديث معه وكان على عادته حين يصل في تمام الثانية والنصف ظهرًا قادمًا من عمله في إدارة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حيث يبادر صديق عم إبراهيم الضرير بائع الكتب بمداعباته اللطيفة ويطلب منه سماع نداءاته عن بضاعته من كتب التراث (قائلاً) "معانا الأغانى للأصفهانى ... معانا مروج الذهب... معانا ابن إياس".
وكان من ندماء نجيب محفوظ في مقهى الفيشاوي المفكر والكاتب الكبير محمد عوده وكثيرًا ما كان يصاحبه معه بريماكوف مراسل البرافدا في القاهرة الذي أصبح فيما بعد رئيساً للحكومة الروسيةوكان يعشق النارجيلة وشرب الشاي الأخضر.
مقهى "ريـش"
على أرض القاهرة وفي شارع طلعت حرب يقع أشهر مقاهي القاهرة حيث مقهى وتياترو ومطعم "ريــش كافيه" الذي ظل شاهدًا على العصر لفترة تمتد لأكثر من 100 عام منذ تاريخ إنشائه في 1908 لعب خلالها دورًا هامًا في تطور الحياة السياسية والثقافية والفنية في مصر المحروسة فبين جدرانه عقدت العديد من الندوات والصالونات الثقافية والسياسية التي حضرها أشهر مثقفي مصر مثل: "العقاد،طه حسين ،نجيب محفوظ" ففي سردابه الخفيه وجدت مطبعة منشورات ثورة 1919 وعلى مسرحه مثلت فاطمة رشدي، غنت أم كلثوم ،صالح عبد الحي ومازالنا نستكشف يومًا بعد يوم المزيد عن هذا المكان الذي تخطى كونه مقهى عاديً ليكون منتدى ثقافيًا وسياسيًا وملتقى للثوار.
المكان وسبب التسمية
يقع "ريش كافيه" بشارع طلعت حرب بالقرب من ميدان طلعت حرب "ميدان سليمان باشا سابقاً" وقد تأسس مقهى " ريش " عام 1908 على يد ثري ألماني ثم باعه لــ "هنري بير" أحد الرعايا الفرنسيين عام 1914 وقد أعطى له اسم "ريش" ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن وتسمى "كافيه ريش".
ثم باعه لليوناني جورج أيفانوس الذي وسَعه وحسُن بنائه ثم في عام 1960 باع اليوناني المقهى لأحد أبناء الصعيد وتحديدًا من "أسيوط" وهو "عبد الملاك ميخائيل" وبعد رحيله انتقلت ملكية المقهى إلى الورثة الذين أعادوا صياغة المقهى دفاعًا عن التراث والتاريخ، ولم يكن المقهى على صورته الحالية حيث كان يشرف على ميدان سليمان باشا وله حديقة مضاءة تعزف بها فرقة "أوركسترالية كلاسيكية" وتلتقي فيه النخب العائدة من أوروبا كما كانت تجلس فيه قيادات ثورة 1919.
زلزال 1992 يكشف تاريخ جديد لمقهى ريش
أن الزلزال الذي وقع في القاهرة عام 1992 أدى لحدوث بعض التصدعات بمبنى المقهى وتوقف المصعد بالعقار عن العمل وأثناء إزالة القفل الحديدي الخاص بالمصعد من مكانه بأسفل العمارة كانت المفاجأة الكبرى وهي اكتشاف سرداب خفي وجد بداخله مفاجأة تاريخية وهي المطبعة التي كانت تطبع فيها المنشورات السرية التي تحض على قيام ثورة 1919 وهو الأمر الذي جعل كثيرون يعتقدوا أن صاحب المقهى أثناء ثورة 1919 كان عضو في أحد أهم التنظيمات السرية لثورة 1919.
اغتيالات وثورات وتنظيمات سرية داخل ريش كافيه
في العام 1972 انطلقت من "ريش" كافيه ثورة الأدباء احتجاجًا على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنعاني كما انه في ديسمبر عام 1919 وبين جدرانها قرر الجهاز السري لثورة 19 اغتيال يوسف وهبه" رئيس الوزراء "في ذلك الوقت وعميل الانجليز واختير لتنفيذ العملية "عريان يوسف سعد" فكان المقهى نقطة الانطلاق ومسرح الحدث لمحاولة اغتيال يوسف وهبه باشا رئيس الوزراء.
ففي صباح يوم 15 ديسمبر 1919 جلس عريان سعد الموظف بسكرتارية مجلس الشيوخ في حديقة مقهى ريش المطلة على ميدان سليمان باشا في ذلك الوقت ومن موقعه ظل يرقب زميله محمد حنفي الذي جلس تحت التمثال في الميدان وعندما أعطى محمد حنفي الإشارة إلى عريان سعد باقتراب سيارة رئيس الوزراء من شارع قصرالنيل في طريقه إلى رئاسة مجلس الوزراء قام عريان سعد واقترب من السيارة وألقى عليها قنبلتين انفجرتا ولكن رئيس الوزراء نجا من الحادث وحكم على عريان سعد بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات.
ملتقى الأدباء والمفكرين والسياسيين
كان ومازال كافيه ريش ملتقي لرجال الفكر والأدب والفن جيلاً بعد جيل فمن أشهر رواده في العشرينيات كان العقاد وطه حسين وفي الأربعينيات كان لويس عوض ورمسيس يونان ثم تبعه جيل السبعينيات ممثلاً في نجيب محفوظ ومن رواد كافيه ريش أيضًا صلاح جاهين وعبد المعطى حجازي وعباس الأسواني طه حسين والعقاد وأحمد أمين ويحيى حقي ويوسف ادريس وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وأم كلثوم ورياض السنباطي وفاطمة اليوسف وصلاح عبد الصبور ونجيب سرور، ووثق عبد الرحمن الرافعي في كتابه (تاريخ مصر القومي 1914- 1921) مقهى ريش وقال عنه ملتقى الأفندية من الطبقة الوسطى كما عرف مقرًا يجتمع فيه دعاة الثورة والمتحدثون بشؤنها أو شؤون البلاد العامة.
وكذلك كان كافيه ريش المكان الذي ينطلق من خيال الفنانيين والسريالية المصرية ورائدها رمسيس يونان كما يقال ان السينارست أسامة أنور عكاشة استوحى شخصيتي العمدة والباشا في مسلسله "ليالي الحلمية" من بعض رواد «ريش» كما استلهم شخصية الفتوة "زينهم السماحي" من شخصية قبضاي لبناني اسمه "سليم حداد" كان من رواد المقهى ويذكر بعض زبائن المقهى أن الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات كانا ممن يرتادون هذا المقهى وكذلك الشاعر أحمد فؤاد نجم والروائي جمال الغيطاني والألماني فولكهارد فيندفور مراسل (ديرشبيجل(.
ريش كافيه مسرحًا
لم يكن مقهى ريش مقهى عاديًا فقد تنوعت نشاطات المكان وجمعت ما بين المحل العمومي والبار والمقهى والمطعم وكذلك مسرحًا تقام فيه العديد من الحفلات الموسيقية والغنائية والفنية الشرقية وكان لكل نشاط ترخيص خاص.
وقد استخرج صاحب المقهى في ذلك الوقت جورج بوليتس بتاريخ 13 سبتمبر 1923ترخيص بإضافة تياتروا إلى نشاط المقهى وعندما طلب أيضًا الترخيص بعزف الموسيقى الكلاسيكية في الحديقة كان لابد وهو إجراء ومطلب حضاري في ذلك الوقت من جَمع توقِيعات جميع السكان وكلهم بلا استثناء كانوا من الأجانب بالموافقة حتى لا يضار أحد من جراء العزف الموسيقى وبالفعل وقعوا بالموافقة على ذلك الطلب.
وفي بهو المقهى قدمت فرقة الفنان "عزيز عيد" فصولاً عدة من مسرحياته التي قامت ببطولاتها الفنانة روز اليوسف حيث تخللها بعض المونولوجات التي غنها الفنان محمد عبد القدوس والد الأديب إحسان عبد القدوس، كما مثلت داخل مسرحه مسرحيات لفاطمة رشدي وفاطمة اليوسف وغنى على مسرحه صالح عبد الحي وزكي مراد والد الفنانة ليلى مراد وقدم الشيخ أبو العلا محمد كوكب الشرق "أم كلثوم" التي كانت حينذاك قادمة من قريتها.
أم كلثوم تشدو في "تياترو ريش كافيه "
يحتفظ أصحاب "ريش" بإعلان في جريدة "المقطم" الصادرة في يوم 23 مايو 1923 يقول: "تياترو كافيه ريش تطرب الجمهور يوم 31 مايو بلبلة مصر صاحبة الصوت الرخيم الآنسة أم كلثوم” هلموا واحجزوا محلاتكم من الآن كرسي مخصوص 15 قرشًا دخول عمومي 10 قروش".
المصادر والمراجع :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- مقاهي الفكر والظرف والأدب - مجلة الهلال - يونيه 2009 - القاهرة - يوسف الشريف.
- مقاهي القاهرة - كانت زمان - الدكتور خالد غازي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ التحديث: 2024