للاستماع إلى الموضوع
تعامل الخلفاء العباسيون الأوائل بالسكة الأموية
مؤقتاً، وربما يرجع ذلك لانشغالهم بتدعيم أركان دولتهم، وتأسيس عاصمة جديدة لتكون
إعلانا لخلافتهم، ولكنهم أحدثوا تغيرات طفيفة ومحدودة في النصوص والعبارات وذلك من
باب إعلان خلافتهم الجديدة ومخالفة العهد السابق ثم توالت بعد ذلك التطورات على
النقود في العصر العباسي (من 132 إلى 656هـ)، وفيما يتعلق بالدنانير فقد تم استبدال
" الله أحد- الله الصمد- لم يلد ولم يولد" بــ "محمد رسول الله"المثبتة في الوسط على ظهر الدينار.
وكتب على طوق الوجه: «محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله».
وفي الوسط: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له»
وكتب على طوق الظهر: «بسم الله ضرب هذا الدينار سنة...» (مع ذكر
السنة).
وفي الوسط: «محمد رسول الله»
الدينار العباسي
أمير المؤمنين هارون
الرشيد (170- 193ه):
انفردت المسكوكات في عهده عن باقي
الخلفاء العباسيين سواء الذين سبقوه أو الذين جاءوا بعده، فقد حملت لأول مرة اسم
ولقب الخليفة "أمير المؤمنين"،
وظهر في عهده عدة أنواع من الدنانير نقش على بعضها أسماء الأمراء والوزراء، وبعض عمال هارون الرشيد،وعلى البعض الأخر أسمه وحده،كما أضاف بعض الأدعية مثل " أبقاه الله"،وقد
ترفع هارون الرشيد عن مباشرة النقود ووهب هذه الحقوق للولاة وعمال المال ولم يكن هذا
سائدا من قبل حيث كان قاصرا على الخلفاء ولا يجرؤ غيرهم على ذلك، وتناول "المقريزي" هذا
الموضوع قائلا "وهارون الرشيد أول خليفة ترفع عن مباشرة العيار بنفسه وكان
الخلفاء من قبله يتولون النظر في عيار الدراهم، والدنانير بأنفسهم".
دينار هارون
أمير المؤمنين المأمون
(198- 218هـ):
تميزت النقود في عهده بإضافة هامش خارجي على وجه الدينار والبسملة كاملة في بعض
الاحيان قبل مكان وتاريخ السك، واكتمال الآية القرآنية الكريمة: محمد رسول
الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" ونظرا
للدور الإعلامي للنقود فقد ظهر أسماء بعض الثائرين الذين انتهزوا النزاع بين
الامين والمأمون وسجلوا اسمائهم دون الرجوع للخليفة مثل: السري بن الحكم.
دينار المأمون
وبعد انتصار المأمون على الأمين ظهرت لأول مرة على نقود العراق
سنة 199هـ الآية القرآنية” لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر
الله“، كما ظهرت مصر والمغرب لأول مرة كمكان للسك على الدنانير سنة 199هـ، وفي سنة
214هـ انتهى ظهور أسماء الولاة على الدنانير المصرية وكان أخرهم دينار باسم ابو
اسحاق بن هارون الرشيد، إلى أن وضع الخليفة المعتصم حدًا لظهور أي أسماء غير أسماء الخلفاء وولاة العهود وذلك سنة 218 ه، كما وحد طرازي الدينار والدرهم من حيث الكتابات والزخارف والشكل.
دينار العراق سنة 199 هـ - للخليفة المأمون
وفي فترة ظهور الدويلات السياسية التي قامت على أكتاف الدولة العباسية
وعاصمتها بغداد، حرص قادة تلك الدويلات على إصدار النقود كمظهر مهم لاستقرار
دولتهم، ومنها النقود الأحمدية الطولونية التي أصدرها أحمد بن طولون سنة 266 هـ
بعدما نجح في توحيد مصر والشام وضرب نقودًا طولونية في ظل إشراف صوري من الخلافة
العباسية. فلم يحذف ابن طولون اسم الخليفة
المتوكل على الله من هذه الدنانير لأنه لم ينكر عليه شرعية خلافته بقدر ما أكد
لنفسه حقه في سكِّ النقود باسمه،فكانت تحمل اسم أحمد بن طولون، ولعل هذا هو أبرز
ما يُضفي عليها اسم الدنانير الأحمدية وتنحصر الدنانير الأحمدية فيما بين 266 و270
ه على التوالي، وهي دنانير تُشير الى دور سك مختلفة بعضها ضُرِب في مصر والآخر ضرب
في الرافقة ودمشق. وظلّ الدينار الأحمدي نموذجًا اتبعه خلفاء ابن طولون فلم تحدث
تعديلات جوهرية في عيار الدينار الأحمدي أو نصوصه غير كتابة اسم الحاكم الطولوني
المعاصر مصحوبًا باسم الخليفة العباسي.
دينار أحمد بن طولون
وفيما يخص الدراهم في العصر العباسي فقد أخذت نفس
طراز الدينار من حيث مراحل التطوير والشكل والكتابات المدونة عليه، فنجد مثلا
درهم للخليفة المتوكل على الله، ويظهر معه لقب ولي عهده المعتز بالله.
فكتب على الوجه في الوسط : لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعتز بالله
وكتب على الطوق الداخلي: بسم الله ضرب هذا الدرهم بمدينة
المتوكلية سنة سبع وأربعين ومائتين.
وكتب على الطوق الخارجي: لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ
يفرح المؤمنون بنصر الله.
فكتب على الظهر في الوسط: لله محمد رسول الله المتوكل على الله
وكتب على الطوق: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله ولو كره المشركون.
درهم الخليفة المتوكل على الله
كما تميز العصر العباسي بإصدار "النقود
التذكارية" لتوزيعها كعطايا من الخلفاء والأمراء
ونثرها على الناس، ويشير المقريزي في كتاب "إغاثة الأمة" إلى
كثير من الدنانير العباسية في عيد النيروز ومن بينها دنانير "جعفر بن يحيى". وقد وصل إلينا
درهم تذكاري من عهد الخليفة العباسي الراضي بالله، ضرب بمدينة السلام (بغداد) سنة
325 ﻫ/ 936م، وهو من روائع المسكوكات الإسلامية، وفريد في نوعه، ويحمل تصميمًا
زخرفيًا غير مألوف في العملات العباسية، حيث دمجت الكتابة العربية بالزخرفة
المأخوذة من زخرفة قصور الخليفة في مدينة السلام وسامراء. وانفرد هذا الدرهم
باقتباس الآية رقم 34 من سورة فاطر، فكتب على هامش الوجه: "الحمد لله الذي أذهب عنا
الحزن إن ربنا لغفور شكور"، وكانت النقود قبل ذلك تحمل عبارات من الآيتين 4-5
من سورة الروم: “لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر
الله"،كما تميز هذا الدرهم بان وزنه
يزيد عن الدرهم العادي بحوالي خمسة أضعاف مما يدل على أنه كان تذكاريًا.
فكتب على الوجه في الوسط: زخرفة تشبه نبتة لها فروع في رأسها
زهرة.
وكتب على الطوق الداخلي: بسم الله ضرب هذا الدرهم بمدينة
السلام سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
وكتب على الطوق الخارجي: الحمد لله الذي
أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور.
وعلى الظهر في الوسط: لا إله إلا الله محمد رسول الله الراضي بالله.
وكتب على الطوق: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله ولو كره المشركون. (سورة التوبة آية رقم 33).
درهم تذكاري في عهد الخليفة العباسي الراضي بالله
السكة المصرية
الفاطمية:
قامت الخلافة الفاطمية في بلاد المغرب
سنة (297هـ، 909م) على أنقاض دولة الأغالبة، وضربت نقودها على طراز النقود
العباسية إلى جانب اسم الخليفة عبيد الله المهدي أول الخلفاء الفاطميين،وفي سنة
(358هـ، 669م) أمر الفاطميون بإحداث تغيير جذري في طراز النقود من حيث التصميم؛
فقاموا بنقش كتاباتهم في ثلاث دوائر متحدة المركز، تسير في عكس اتجاه عقارب الساعة
بدلاً من الترتيب الأفقي الذي كانت تنقش عليه الكتابات العربية منذ عهد الخليفة
عبد الملك بن مروان. وكان الهدف من وراء هذا الطراز الفاطمي الجديد هو
التأكيد على حق الفاطميين المطلق في الخلافة.
وعندما جاء الفاطميون لمصر ضربوا
النقود على غرار نقودهم التي ضربت بالمنصورية وهى "المدينة التي أنشأها الفاطميون
في تونس سنة 337ه وكانت عاصمة الخلافة الفاطمية"، وحملت الدنانير بعض
العبارات الشيعية مثل "على أفضل الوصيين – ووزير خير المرسلين"، ومثال
على ذلك دنانير المعز لدين الله الفاطمي:
وكتب على الوجه في الهامش الداخلي: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وعلى الهامش الأوسط: على أفضل الوصيين ووزير خير المرسلين.
والهامش الخارجي: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله.
وكتب على الظهر في الهامش الداخلي: المعز لدين الله أمير المؤمنين.
والهامش الأوسط: دعا الإمام معد لتوحيد الإله الصمد.
والهامش الخارجي: بسم الله ضرب هذا الدينار بمصر سنة
ستين وثلثمائة.
دينار المعز لدين الله
كما تميز العصر الفاطمي بطراز أخر
للدنانير وهو الذي اشتمل على هامشين من الكتابة ومن أمثلته دينار للخليفة المستنصر
بالله (427- 487ه) ونلاحظ في هذا الطراز إضافة "ولو كره المشركون".
دينار الخليفة المستنصر بالله
فكتب على الوجه في المركز: على - لا إله الا الله وحده لا شريك له - محمد رسول
الله ولي الله
وعلى الهامش: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله ولو كره المشركون
وكتب على الظهر في المركز: معد - الامام أبو تميم - المستنصر بالله أمير
المؤمنين
وعلى الهامش: بسم الله ضرب هذا الدينار بطرابلس سنة خمس
وأربعين وربعمائة
كما سك الفاطميون نوعان من النقود
التذكارية: النوع الأول: نقود ذهبية صغيرة الحجم خفيفة الوزن تسمى "خراريب"
ومفردها خرُّوبة، وتقدر قيمة وزنها بـ 0,19 جرام من الذهب، النوع الثاني: تسمى
"الغرة"، وهي مجموعة من الدنانير والرباعيات والدراهم المدورة
تضرب بأمر الخليفة في العشر الأواخر من ذي الحجة، وكان الهدف من ضرب هذه النقود هو
توزيعها على الشعب في المواسم والأعياد ونشر الفكر الفاطمي، فالفاطميون تفننوا في
عمل الاحتفالات لكثير من المناسبات بهدف اجتذاب الشعب وإرضاءه.
السكة المصرية
الأيوبية:
تولى صلاح الدين يوسف بن أيوب وزارة مصر في عهد الخليفة الفاطمي العاضد
وفي مرحلة لاحقة منع الدعوة للخليفة الفاطمي وأقامها للخليفة العباسي المستضئ
بالله وأقام الدولة الأيوبية في مصر على أنقاض أملاك الخلافة الفاطمية بكل من مصر
والشام سنة 567 هـ وصار الحاكم المطلق في مصر والشام والجزيرة واليمن، وقوى حكمه
بعد انتصاره على الصليبيون في حطين سنة 583ه.
وكان صلاح الدين تابع لنور الدين، لذا نجد
أنه فضل عدم تسجيل اسمه واكتفى فقط باسم نور الدين اعترافًا بفضله، ونلاحظ فيها
استمرار الطراز الفاطمي الذي يشمل على مركز وثلاث هوامش، ولم يستطع صلاح الدين آن
يتجاوز عادة الفاطميين في الاشارة إلى الصلاة على النبي وآله، ليكون التغير بالتدريج.
وقد مرت النقود الأيوبية بثلاث أشكال هم:
الشكل الأول:
كتب على الوجه في المركز: الامام الحسين
وكتب على الهامش الداخلي: المستضئ بأمر الله امير المؤمنين
والهامش الأوسط: لا إله الا الله وحده لا شريك له ابو
محمد
والهامش الخارجي: بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا
الدينار بالقاهرة سنة سبع وستين وخمسمائة .
وكتب على الظهر في المركز: عال محمود بن زنكي غاية
والهامش الداخلي: وسلم تسليما الملك العادل
والهامش الأوسط: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى اله
والهامش الخارجي: الله محمد رسول الله ارسله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله.
الشكل الثاني:
اصدرها صلاح الدين وهي ذات طراز جديد تتوزع كتاباته بين كتابات مركزية
وأخرى في هامشين بكل وجه وسجل صلاح الدين اسمه عليها ''يوسف بن أيوب'' مع لقبه
''الملك الناصر'' وسجل معه اسم الخليفة العباسي ''الإمام الحسن المستضيء بالله
أمير المؤمنين''، وذلك في اشارة لتبعية دولته من الناحية الدينية للخليفة العباسي
السني بعد إسقاط الخلافة الفاطمية الإسماعيلية، وبدأ في عهد الملك صلاح الدين حيث اصبحت الكتابات
تسجل في مركز وهامشين فقط بكل من الوجه والظهر:
فكتب على الوجه في المركز: الامام أحمد
وكتب على الهامش الداخلي: لا إله الا الله ابو العباس الناصر
لدين الله امير المؤمنين
سنه سبع وثمانين وخمسمائة
وكتب على الهامش الخارجي: بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا
الدينار بالقاهرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة
وكتب على الظهر في المركز: يوسف بن ايوب
وكتب على الهامش الداخلي: عال الملك غاية صلاح الدين
والهامش الخارجي: الله محمد رسول الله ارسله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله صلى الله عليه
الشكل الثالث:
عندما تولى الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر الحكم في سنة
615هـ وظل به عشرين سنة كاملة أحدث تطورا هاما في نقوش الدنانير
الذهبية، وذلك بتخليه عن الخط الكوفي الذي رافق النقود الاسلامية منذ تعريبها على
يد عبد الملك بن مروان واعتمد على خط النسخ في تنفيذ نقوش الدنانير ابتداء من
سنة 622هـ ومن أجمل دنانيره المنقوشة بخط النسخ دينار ضرب في القاهرة سنة 624هـ
وكتب على الوجه في المركز: الملك
الكامل أبو المعالي محمد بن أبي بكر.
وعلى الهامش:
''لا إله إلا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله''·
وكتب على الظهر في المركز: الإمام
المنصور أبو جعفر المستنصر بالله أمير المؤمنين
وعلى الهامش: بسم
الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالقاهرة سنة ست وعشرين وستمائة.
وهكذا اختفت من نقوش الدنانير الايوبيين آخر مظاهر الفاطمية في الصلاة
على النبي وآله وظلت هذه الدنانير تحمل اسم الخليفة العباسي الأخير المستنصر الذي
قتل على يد المغول عقب سقوط بغداد.
الدراهم:
ضرب الايوبيون كميات كبيرة من الدراهم الفضية التي عدت آنذاك النقد
الرئيسي في مصر والشام وحسب المصادر التاريخية فإن صلاح الدين أمر في سنة 567هـ
بإبطال الدراهم الآمرية ''نسبة للآمر بأحكام الله الفاطمي'' وكانت تعرف بالدراهم
السوداء لنقاء فضتها وقام بسك دراهم عرفت لدى المتعاملين في الاسواق باسم الزيوف لأن
50 في المئة من سبيكتها كانت من النحاس ومعنى ذلك أن قيمتها الحقيقية ''المعدنية''
كانت اقل بمقدار النصف من قيمتها القانونية، مما أوقع أضرارا بالغة بالتجار على
وجه الخصوص·
ومن أبرز الدراهم التي سكها صلاح
الدين سنة 586ه درهم من النحاس بعد انتصاره على الصلبيين في موقعة حطين سنة 583هـ،
ونقش عليه صورته وهو جالس جلسة القرفصاء على كرسي عرش بسيط، تأكيدًا على سيطرته على
مصر وبلاد الشام والأراضي الحجازية.
درهم نحاسي لصلاح الدين الأيوبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من الموضوعات "اضغط هنا"