للاستماع إلى الموضوع
"هنا القاهرة" .. تعتبر الاذاعة
المصرية.....صوت بلدنا........ زمن الفن الجميل...... عندما كان الراديو جزءًا
أساسيا من الروتين اليومي للأسرة المصرية.........ذلك الصندوق السحري الذي جمع
المصريين حوله وكانت برامجه سببا في تشكيل وعي الكثير من الأجيال، بل كانت شاهداً
على مراحل هامة من تاريخ مصر، وظلت طوال عقود صانعة للأحداث ومؤثرة في تشكيلها
ومسارها ومؤدية أدوارا مهمة في الأخبار والتنويه والتثقيف وتعزيز الحوار ودعم
الحريات وبناء جسور التواصل بين الأراء والأفكار واشتركت في بعض الأوقات في صناعة
تاريخ مصر والمنطقة بأكملها.
مرَّت
الإذاعة المصرية بالعديد من المراحل منذ بدايتها في منتصف عشرينيات القرن الـ 20
إذ انطلقت كإذاعات أهلية تجارية، فكانت إذاعة "مصر الجديدة" في القاهرة،
هي أول إذاعة أهلية تم تأسيسها عام1925، تلاها عام 1932 محطة راديو "الأمير
فاروق"،ولم يكن هناك قانون أو مرسوم يحدد نظم عمل هذه الإذاعات، أو يفرض
عليها أي نوع من الرقابة في بدايتها، فشجع هذا المناخ القائمين عليها لاتخاذها
منبرا للتعبير عن حرية الرأي، وتزامن ذلك مع وجود حركة صاعدة تطالب بالتحرر الوطني
ضد الاستعمار، وأصبحت تلك الإذاعات منبرا للهجوم على الاستعمار والحكومة معا، مما
دفع المندوب السامي البريطاني عام ١٩٣٢ بإلغاء القرار الذي أصدره عام ١٩٢٦ بعد
جواز إنشاء محطة إذاعة حكومية، ودعا أصحاب المحطات الأهلية بإغلاق محطتهم فور
إتمام إنشاء المحطة الحكومية.
الإذاعة في عهد شركة ماركوني:
وافق
مجلس الوزراء في يوليو 1932 على أن تكون شركة ماركوني التلغرافية اللاسلكية
وكيل عن الحكومة المصرية في إدارة الإذاعة وتشغيلها وصيانتها وإعداد البرامج
والمذيعين، وتم إبرام عقد بذلك وكانت مدته عشر سنوات، وكان يصرف على الإذاعة من
حصيلة رخص استقبال الإذاعة، حيث كانت الحكومة تفرض رسوما محددة على كل جهاز "راديو" إلى أن جرى تمصير الإذاعة بعد ذلك.
"هنا
القاهرة" .. عبارة حماسية تحمل مشاعر الانتماء للوطن، وكانت من أولى الكلمات التي
انطلقت عبر الإذاعة المصرية على لسان أحمد سالم في افتتاحها عام 1934،وتم اعتمادها
كعبارة رسمية لبدء إرسال كل الإذاعات المصرية التي انطلقت في السنوات التالية.
المذيع أحمد سالم
بدأت
الإذاعة المصرية افتتاحها في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 31 من شهر مايو عام
1934 إبان عهد الملك فؤاد الأول ، واٌقيم حفل الافتتاح في ساحة وزارة المواصلات
بشارع رمسيس ودُعى إلى الاحتفال كبار رجال الدولة وأعضاء مجلس البرلمان وكبار
المثقفين والكتاب والأدباء والصحفيين ، وكان أول بث للإذاعة عن طريق الإذاعة
الخارجية وليس من الاستوديو وفى حفل الافتتاح تحدث علي باشا إبراهيم رئيس لجنة
الإذاعة اللاسلكية المصرية، ثم بدأت البرامج في الاستوديو بآيات من الذكر الحكيم
بصوت الشيخ محمد رفعت، ويليها انطلاق صوت الآنسة أم كلثوم، وغنى أيضًا في ذلك
اليوم المطرب صالح عبد الحي ، ثم مطرب الملوك والأمراء محمد عبد الوهاب، وقد وشمل
برنامج الاذاعة حسين شوقي أفندي الذي ألقى قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي بك،
وألقى الشاعر علي بك الجارم بصوته قصيدة تحية لملك البلاد فؤاد الأول.
وكانت
الإذاعة عبارة عن 4 محطات تحت إدارة وزارة المواصلات، ثم وزارة الشؤون الاجتماعية،
ثم تابعة لإشراف وزارة الداخلية، واستمر التعاون مع شركة "ماركوني"
البريطانية حتى عام 1947 الذي بدأت فيه مرحلة تمصير الإذاعة المصرية على يد خبراء
مصريين تحت اسم "الإذاعة اللاسلكية المصرية"، وكانت تابعة لرئاسة مجلس
الوزراء، وتم تشكيل مجلس إدارة بميزانية مستقلة وصدور تشريع خاص لها.
الإذاعة المصرية عقب ثورة 23 يوليو:
منذ
اليوم الأول لثورة 23 يوليو 1952 والإذاعة المصرية منحازة للمطالب الوطنية
المشروعة، واتضح ذلك من استخدامها كمنبر لإذاعة أول بيانات الثورة على لسان
البكباشى «محمد أنور السادات» ثم كانت منصة أطلق منها جمال عبد الناصر كلمة السر
«ديليسبس» لتأميم قناة السويس ، ثم أعلن منها السادات إعادة افتتاح قناة السويس في
نفس يوم النكسة 5 يونيو، تأكيدا على مساهمة الإذاعة في التأثير الإيجابي على
الحياة السياسية المصرية.
الرئيس عبد الناصر وهو يلقي بيان تأميم قناة السويس ويذكر
كلمة السر "ديليسبس"
كما
تكونت في الإذاعة المصرية لأول مرة فرق مرابطة استعدادا لحرب أكتوبر عام 1973،
وكانت تذيع بيانات القوات المسلحة لتشعل حماس الجماهير وتوثق الروابط بين الجيش
والشعب كما تذيع الأغاني الوطنية التي تشعل حماسة المواطنين، وفي سابقة فريدة من نوعها وتأكيداً للوحدة العربية نطقت إذاعتا تونس ودمشق «هنا
القاهرة» أثناء ضرب العدوان الثلاثي محطات الإرسال الإذاعي في مصر عام 1956.
إذاعة صوت العرب:
أطلق
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إذاعة “صوت العرب” كبرنامج رئيسي، في عام 1953،
قبل أن يتطور الأمر وتصبح شبكة إذاعية تضم عدة إذاعات، وكانت إذاعة صوت العرب،
آنذاك عبارة عن منصة تطلق عبر الأثير الإذاعي قيم الدولة السياسية والإيديولوجية الناصرية،
وأهدافها أو بالأحرى مصالحها الإقليمية، وإلهاب شعوب عدد من الدول العربية
والأفريقية للتحرر من الاستعمار، وهو ما
تجلى في ثورة الماو في كينيا التي كان لها دورا في استقلال البلاد عام 1963،كما
صدر البيان الأول لجبهة التحرير الوطني الجزائري من إذاعة صوت العرب بالقاهرة فكان
الشرارة الأولي لنيران الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، فضلًا عن قضايا
أخرى مثل التصدي لحلف بغداد، ودعم الوحدة المصرية السورية، ودعم حرب اليمن.
الإذاعات الموجهة:
لا
يزال شعوب القارة يتذكرون دور هذه الإذاعات التي انطلقت من أستوديوهات الإذاعة
المصرية عام 1953، للمساهمة في دعم حركات التحرر الوطني في إفريقيا، وربط الشعوب
الإسلامية، فغطت الإذاعات جميع الدول الإفريقية وجنوب أوروبا والأمريكيتين، ونجحت
في التواصل مع الجاليات المصرية في أستراليا، وقد بلغ عدد "الإذاعات
الموجهة" بالإذاعة المصرية قرابة 35 إذاعة موجهة، وتٌبث بـ 23 لغة، أهمها
اللغة السواحلية إضافة إلى الإنجليزية والفرنسية، وكان عدد ساعات البث 61
ساعة يومياً، وقد
نجحت الإذاعات الموجهة في الوصول إلى عمق الأراضي المحتلة ومخاطبة اليهود، ووصلت
قوة تأثيرها حينئذ إلى حد جعل رئيس وزراء اسرائيل مناحم بيجن مطالبة السادات بتقليص ساعات الارسال باللغة العبرية وتخفيف حدة خطابها ، وذلك عقب محادثات اتفاقية كامب ديفيد .
وكان من أشهر برامج الإذاعة الموجهة:
"الحقيبة الإفريقية"، وتبث باللغة السواحلية، وتستعرض العلاقات
الإفريقية والتعاون من أجل التنمية، و"حكايات إفريقية"، برنامج فني
وثقافي يتناول تاريخ مختلف الحضارات الإفريقية، وبرنامج "بين السياسة والتنمية"
ويقدم باللغة الأمهرية، ويلقي الضوء على المشروعات المصرية في قلب الدول الإفريقية
المختلفة، وبرنامج "مصر تتحدث عن نفسها" ويٌعرض باللغتين الفرنسية والأمهرية،
ويرصد الرؤى المصرية في العلاقات مع دول حوض النيل، والجدير
بالذكر أنه تم بث العديد من الإذاعات التي مثلت أرشيفاً وتجسيداً هائلاً للتاريخ
المصري الحديث ورافداً مهماً في تشكيل الوجدان المصري والعربي ومنها: (الإسكندرية
الإقليمية 1954، والبرنامج الثاني 1957، والشعب 1959، وفلسطين 1960، والقرآن
الكريم والشرق الأوسط 1964، والبرنامج الموسيقي، والشباب 1975 ).
وقد
شهدت الإذاعة المصرية حضورًا لافتًا للإبداع المصري الذي ترسخ حضوره في الوعي
الجمعي للمواطن العربي، وشق طريقه في وجدانهم، عبر حفلات أم كلثوم، وصوت عبد
الحليم حافظ، ونماذج فنية آخرى من الدراما الإذاعية التي استطاعت أن تحفظ اللهجة
المصرية في ذاكرة المجتمعات العربية، وارتبط المستمع المصري والعربي بالعديد من
أسماء الإعلاميين الذين تميزوا أثناء عملهم بالإذاعة المصرية ومنهم: بابا شارو،
سلوى حجازي، فهمي عمر، أبلة فضيلة، وفؤاد المهندس من خلال برنامج
"كلمتين وبس"، وصفية المهندس وبرنامجها "ربات البيوت"، وبرنامج (ساعة لقلبك)، وأيضا برنامج "على الناصية" لآمال
فهمى. ويضاف إلى ذلك، بث الإذاعة لجلسات نقاش رسائل الماجيستير والدكتوراه.
وفي
نهاية حديثنا عن الإذاعة المصرية نختم بأشهر عبارات الإذاعة المصرية في برنامج
"لغتنا الجميلة" للشاعر فاروق شوشة "أنا البحر في أحشائه الدر كامن
.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي"، تلك الكلمات التي مازالت راسخة في وجدان ملايين من المصريين
والأمة العربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من الموضوعات "اضغط هنا"